براميل.. و«بياجر»
قال الكاتب الكويتي عبدالرحمن سلطان أبورقبة: «يعترض الضمير العربي سؤال مُعضِل وهو يتابع حرب الإبادة على غزة وما تبعها من أحداث».
وأضاف أبورقبة في مقال له: «السؤال: ماذا يجب أن يكون موقف شعوب الأمة العربية من «حزب الله» في معركته مع «إسرائيل»، وقد ظهر حول السؤال رأيان متطرفان سأقدمهما وأرد عليهما، ثم أقدم للقارئ الرأي الذي أعتقد رشده وصوابه».
أما الرأي المتطرف الأول فيشمت بقتلى الحزب وخسائره حتى يكاد يردد «البروبجندا» الإسرائيلية.
وأما الرأي الثاني فيشرّع كل خطاياه وحماقاته ويخوّن كل معارضيه ومنتقديه.
وأولًا، فإن الشماتة خُلُقٌ دنيء في نفسه ولا ينبغي لنا أن نتأسّى بمن نحتقرهم ونشمئز منهم من الصهاينة «والشبيحة» أو أن نتخلّق بأخلاقهم، والشماتة بالخسائر التي وقعت بأيدي أعدائنا لا بأيدينا هي دليل على ضعفنا وعجزنا، ولا يفرح العاقل بضعفه وعجزه وباستطالة عدوه الذي لا يرحمه.
كما أن القوى التي خذلت الفلسطينيين وتصالحت مع نتنياهو هي نفسها التي خذلت السوريين وتصالحت مع بشار الأسد، فعلامَ الفرح وبمن الشماتة؟
وأما ثانيًا، فقد ارتكب الحزب الموبقات في حق الشعبين اللبناني والسوري، إذ عمل في سوريا عمل الثورة المضادة وشارك مع «داعش وإيران وروسيا» في قمع الثورة وتطلعاتها المشروعة، وفي حرفها إلى حرب أهلية وطائفية لم تُبقِ ولم تذر، وبدلًا من أن يتصرف في لبنان على أنه حزب سياسي أو حتى حركة مقاومة معيّنةَ الأهداف والعدو، راح يتصرف كأنه كارتيل مخدرات على طريقة بابلو إسكوبار في كولومبيا، فتورط في الفساد والجريمة المنظمة وتصفية المخالفين (حتى الصحفيين منهم وبوسائل لا تختلف عن وسائل الموساد) وقمع المتظاهرين، وكذلك أدت نظرته العَقَدية الضيقة وحساباتها إلى حصر بيئته الحاضنة على طائفة واحدة فقط.
وأما الرأي الذي أعتقد صوابه ويفرضه علينا الواقع فرضًا فمفاده: أنه يجوز في آنٍ معًا أن يكون «حزب الله» عدونا في سوريا وحليفنا في فلسطين، وقد يبدو الكلام مناقضًا لنفسه أول وهلة، ولكن هكذا هو واقع الدنيا، كثير التفاصيل ومشتبكها ويقتضي منا أيضًا الدقة والمرونة، أو لنقل الحكمة والدهاء.
فالفلسطينيون في الوقت الحاضر الذي أكتب به يواجهون بغزة أشد أعمال الإبادة الجماعية وحشيةً وهمجية، أي أننا نواجه عدوًا صائلًا كما يقول فقهاء الدين أو خطرًا محدقًا كما يقول فقهاء القانون، وعلى ذلك فإن منع هزيمة «حزب الله» في جبهة الشمال سيحقق مصلحتين راهنتين للأمة.
الأولى: أنه سيقلل من خسائر الفلسطينيين ويخفف من آلامهم، ويحافظ على ما أمكن من أراضيهم ومظاهر الحياة عليها.
والثانية: أنه سيعيد للأمة العربية بعضًا من هيبتها وبعضًا من قدرتها المفترضة على الردع، وسيرسل رسالة للعالم بأن دماء العرب باهظة الثمن وليست رخيصة، وأن حماهم ليست بمستباحة، وبأن أي عدوان «أجنبي» عليها ستعقبه العواقب ويجعلها أقرب للتضامن والتفاهم بينها.
ولا يعني هذا الموقف المزدوج أو «الحِلف المنتقى» بأننا سنغفر للحزب جرائمه أو نتغاضى عنها أو نطمئن إليه أو أننا تنكّبنا لحقوق الشعب السوري، بل هو تحالف مؤقّتٌ، محسوبٌ بالظروف والمصالح الراهنة ومحكومٌ بها، وإنما نحن نؤكّد بهذا الموقف الحصيف بأننا أمة تستطيع التمسك بقيمها وأخلاقها الإنسانية دون التنازل عن أسباب النصر والأمن، وضرورات الحرب والسياسة.