المختبرات الطبية والتدريب الافتراضي
أ. عنود العريان
اختصاصي مختبر طبي
في الدور الخامس خلف أبواب المختبرات المغلقة حيث بدأت مشواري المهني، كان الهدوء يعم المكان إلا من أحاديث قصيرة رسمية بين الزميلات، قيل لي أني محظوظة جدا وذلك لأنه تم تعييني في مختبر مجاله مطابق لمجال دراستي. في تلك المرحلة العمرية استغربت من شدة الدهشة حول هذا الأمر، فالطبيعي جدا أن أعمل في مجال تخصصي الذي أفنيت فيه عدة سنوات لفهمه واستيعابه وتطبيقه عمليا. ولكن بعد سنوات الخبرة وانتقالي بين المختبرات اكتشفت أن ما هو منطقي وصحيح ليس بالضرورة هو ما نعيشه على أرض المختبرات تبعا لظروف ونوعية خدمات التحاليل المطلوبة من كل مختبر.
كانت لي مقالة قصيرة عن أهمية قطاع المختبرات ودوره الحيوي الذي لا يستطيع أن ينكره أحد سواء كان طبيبا أو رجل شارع عادي، فالطبيب يعتمد على التقارير التي يقوم الفني بإعدادها بعد قيامه بإجراءات التحاليل والفحوصات، لتقديم العلاج المناسب ومتابعة الحالة الصحية لأي مريض، فالخدمة المقدمة للمريض هي خدمة تنتج عن فريق عمل وكل ما زاد التناغم والتعاون كل ما زادت جودة هذه الخدمة والعكس صحيح، هي بالتأكيد ليست خدمة ” رجل واحد” ولو أنها تنتهي فعليا بين مريض وطبيب.
ومن وجهة نظري، أن قطاع المختبر لا يقتصر دوره على ذلك فقط، بل يجب أن يمتد لما هو أبعد من ذلك، فالمختبرات غنية بالعقول وأصحاب الشهادات والمهارات العالية، لكنهم ينتظرون تفعيل دورهم بشكل أكبر. إحدى المعوقات التي واجهتها في مساري العملي هي قلة التدريب واعتمادي على نفسي في تطوير ذاتي بالانضمام إلى دورات علمية داخل وخارج الكويت، ومن هنا تبادرت فكرة إلى ذهني حول إمكانية انشاء مركز تدريبي تحت مظلة وزارة الصحة خاص بمجال المختبرات ذو طابع مختلف فجميع الفنيين لهم الحق بالاشتراك بالدورات وكذلك تقديم الدورات لمن يملك القدرة في المجالات المتعددة في عالم المختبرات وتكون متاحة في جميع أوقات السنة حتى يتمكن فني المختبر من تطويره المستمر لنفسه بالإضافة إلى إقامة المؤتمرات و الندوات على الانترنت و حضوريا، وبالطبع مشاركة فني المختبر فيها، فبدأت أبحث عن التجارب المشابهة لفكرتي و كيفية تطبيقها رغم أني لم أجد مشجعا لذلك فشعور الإحباط من تغير الحال هو السائد.
من يعرفني حق المعرفة سيكون عالما بمدى اعجابي لما وجدته عند أقرب جاراتنا المملكة العربية السعودية قبل بضع سنين وبالتحديد عام 2018 حيث بدأت بحضور دورات ومؤتمرات “أون لاين” في الأكاديمية الطبية الافتراضية وهي منصة تعليمية طبية توظف التقنية الالكترونية في البرامج العلمية المختلفة ،معتمدة من الهيئة السعودية، وكان في تقديم هذه الدورات و الورش فنيات جميلة إذ كانت مسجلة بعروض تقديمية مختلفة جذابة يقدمها جميع العاملين في المجالات الطبية رجال ونساء ومن جميع المسميات الوظيفية، يمكنك متابعتها بين جدران غرفتك في أي وقت يناسبك. وكانت من ضمن خطتي أن أنطلق وأحضر مؤتمر في الرياض تحت اشراف الجمعية السعودية للمختبرات الطبية رغبة مني برؤية وملامسة هذا التنظيم الإبداعي على أرض الواقع في عام 2020 ولكن شاءت الأقدار وتغيرت الخطة مع ظروف انتشار وباء الكورونا.
اعتقد كذلك أنه من المهم لتشجيع وتحفيز الفنيين على استمرارهم في بحثهم نحو تطوير أنفسهم مهنيا، هو وضع آلية واضحة لاحتساب هذه الدورات كنقاط واستخدامها في رفع مسمياتهم الوظيفية. هل من مزيد؟ المجتمعات في تطور مستمر، هل سمعت عن المختبر الافتراضي؟ هل سمعت عن استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في المختبر وتحديد قوالب واضحة لسير العمل باستخدامها على سبيل المثال؟ واستخدامه كمساعد للطبيب في تشخيص الأمراض؟ وتنظيم العمل أكثر والتقليل من الأخطاء البشرية؟ هل تستطيع مختبراتنا تقديم المزيد والمشاركة بفاعلية في التوعية المجتمعية؟ هل تستطيع المختبرات بأهلها الانتقال من دور الجندي المجهول ويصبح هذا الجندي معلوما ذا بصمة وأثر واضح؟
يقال إن الفكرة تصبح ذات قيمه فقط بتطبيقها، فلذلك أحببت أن أكتب هذه الأسطر لمن يهمه أمر قطاع المختبرات. فإن لم تُصنع الفكرة على يديّ، سأتركها هنا مدونة على هذه الصفحة لمن يهمه الأمر وله القدرة على تحسين أوضاع المختبرات ورفع مستواها.
انهي مقالي هذا بحقيقة اعتبرها من المسلّمات أن الانسان هو الاستثمار الحقيقي لأي بلد بصقل مهاراته وتمكينه من ممارسة دوره الكامل وبشفافية في أي منشأة، فمهما كانت الأجهزة والتكنولوجيا متطورة فقيمتها تساوي صفراً دون العقل البشري الذي يقوم بإدارتها ومتابعتها، فجودة العمل ستكون حبرا على ورق وملفات سوداء متكدسة على الأرفف بدون الأخذ بعين الاعتبار ما سبق من النقاط والانصات لهذه الفئة وحاجاتهم.