نبيل علي سليمان العدساني: في ذكرى رحيل الوالد …
قبل ثلاث سنوات في مثل هذا الشهر توفي والدي علي سليمان العدساني يرحمه الله. لقد قضى سنوات طويلة في خدمة الناس بشغف ومحبة اثناء توليه منصب الملحق الصحي لدولة الكويت في المملكة المتحدة منذ عام 1975 حتى عام 1993. ويتذكر الذين تعاملوا معه في لندن ماكان يتحلى به من روح انسانية وصبر ومرح وكرم منقطع النظير. فقد كان يخدم كل من يطرق بابه بلا تمييز بين غني وفقير وبين من يعرفه ومن لا يعرفه، فالكل كانوا عنده سواسية لا فرق بينهم يستحقون معاملة مميزة لا تختلف عن الآخرين.
كانت خبرته في المجال الصحي وخدمة المرضى واسعة بحكم دراسته وتدريبه في بريطانيا. في مطلع حياته المهنية تم تأهيله كفني اشعة من مستشفى “كينت آند كنتربري” وعمل بعد ذلك مشرفا على قسم الأِشعة في مستشفى الصباح في الكويت. ثم التحق بدورات خاصة بالعلاج والفحص بالأشعة في لندن ولوس أنجلوس خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وعزز من خبرته بعد العمل بإحدى مستشفيات هاتين المدينيتن لينقل تلك الخبرة والتقنية الحديثة الى الكويت.
تولى والدي منصب الملحق الصحي في لندن عام 1975 والتي كان يقصدها في ذلك الوقت حوالي 1500 مريض سنويا يأتون من الكويت بحثا عن العلاج على نفقة وزارة الصحة. وكان كل مريض يصطحب معه مرافقا ليصل عدد الزائرين سنويا الى حوالى 3000 مواطن. إضافة الى ذلك كان هناك مرضى يأتون على نفقتهم الخاصة وكانوا كلهم بحاجة الى معلومات طبية موثوقة من المكتب الصحي. فقد تعامل خلال السبعة عشر عاماً مع اكثر من 100,000 مواطن من مختلف فئات المجتمع الكويتي ومن مختلف المهن. وكان له دوراً كبيراً في مساعدة الكويتيين المتواجدين في لندن أثناء الغزو سنتي 1990 و 1991.
كان مكتب والدي مكتظا باستمرار وكان أِشبه بديوانية من ديوانيات الكويت لكثرة الزوار والمترددين، حيث كان يكرم الزائرين والكل يتبادل الاحاديث وآخر اخبار البلاد والعباد في مودة ومحبة. كان بابه مفتوحا للجميع ويرد على المكالمات الهاتفية التي تصله حيث تراه أحياناً ممسكا بسماعتين حتى لا يهمل المتصل على الخط الآخر. كان والدي يحس بالسعادة والرضا في خدمة ابناء وطنه خاصة من المرضى الذين يحتاجون الى الدعم النفسي والعاطفي وليس فقط توفير المعلومات. ولم يكن يسافر خلال فترة الصيف حتى يتمكن من خدمة افواج المرضى المتوافدين من الكويت خلال هذه الفترة.
بعد سنوات طويلة من خدمة الوطن والمواطنين في لندن، تقاعد والدي وعاد إلى الكويت في منتصف التسعينيات ليعمل في مجال الاستشارات الطبية للراغبين بالعلاج بالخارج ناقلاً خبرته وعلاقاته العميقة بالأطباء والمجال الطبي في المملكة المتحدة. ولم يكن غريباً ان يصادف يومياً شخصا ما يسلم عليه ويشكره على الخدمات التي قدمها له في لندن وكنت افخر كلما حكى لي الناس عن خدمة مميزة قدمها لهم اثناء وجودهم في لندن. وكان يكرر لي دائما عبارة ” يا ولدي ، الإنسان هو الذي يصنع العمل وليس العمل الذي يصنع الإنسان”.
بقلم: نبيل علي سليمان العدساني