تقرير لجنة تقصي الحقائق عن أسباب الغزو العراقي لدولة الكويت | 16 أغسطس 1995
تقرير (لجنة تقصي الحقائق عن أسباب الغزو العراقي الغاشم لـ دولة الكويت) وهي لجنة برلمانية في مجلس الأمة في 16 أغسطس 1995
..
الفصل التشريعي السابع دور الانعقاد العادي الثالث
الأمانة العامة
إدارة اللجان
لجنة تقصي الحقائق عن موضوع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت
التاريخ: 19 ربيع الأول 1416هـ
الموافق: 16 أغسطس 1995م
السيد/ رئيس مجلس الأمة المحترم
تحية طيبة وبعد،،
يسرني أن أقدم لكم التقرير الختامي للجنة، برجاء عرضه على المجلس الموقر لاتخاذ مايراه مناسباً بصدده، مع توصية اللجنة بمناقشته في بداية دور الانعقاد القادم.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،،
رئيس اللجنة
صالح يوسف الفضالة
التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق عن موضوع الغزو العراقي الغاشم على دولة الكويت
أحال السيد رئيس مجلس الأمة الى اللجنة الكتاب المؤرخ 22/11/1992م المقدم من بعض الأخوة الأعضاء، الذي تضمن انه نظراً للظروف العصيبة التي مرت بها البلاد منذ الثاني من أغسطس 1990م وما صاحبها من آثار وما خلفته من انعكاسات سلبية واضحة الأثر على المجتمع الكويتي، وما رافقها من دماء للشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الوطن وكرامته، وجموع من ابنائنا الذين لازالوا يقبعون في سجون الطاغية، ونظرا لاستمرار هذه الآثار السلبية على اقتصادنا الوطني وقيمنا الاجتماعية والنفسية.
وحرصا من هؤلاء الاخوة الأعضاء على الوقوف على الأسباب الكفيلة لمواجهة جميع تلك الآثار بأسلوب علمي وعقلي متزن، بعيدا عن حالة الانفعال، وإيمانا منهم بضرورة الاستفادة من التاريخ ودروس وعبر تلك المحنة الطاحنة التي مرت بالبلاد، وبما يحقق النجاح في تفادي أزمات مماثلة في المستقبل، ورغبة منهم في معرفة مواطن القصور وأسباب الخلل، وكشفا للحقائق التي صاحبت هذه الأزمة واعمالا لنص المادة 112 من الدستور، فانهم يقترحون مناقشة موضوع كارثة الغزو العراقي الغاشم للبلاد وملابساته والظروف التي صاحبته منذ الثاني من أغسطس 1990م وما ترتب عليه من آثار.
كما أحال السيد رئيس مجلس الأمة الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بذات التاريخ المشار إليه الطلب المقدم من بعض الأخوة الأعضاء الذي تضمن أن الشعب الكويتي قد عانى من معاناة مريرة من جراء محنة الاحتلال التي دامت سبعة أشهر طوال، فقد خلالها الكثير من الأرواح والأموال واستبيحت فيها الأعراض، وعانى أشد المعاناة من انهيار جميع المؤسسات الدفاعية والأمنية وتدمير معظم المؤسسات الأخرى في البلاد، واستناداً الى المادة 114 من الدستور، والمادة 147 من اللائحة الداخلية، فانهم يقترحون ما يأتي:
تشكيل لجنة مكونة من سبعة أعضاء ولمدة عام واحد للتحقيق في موضوع الغزو والاحتلال العراقي على ان يتناول التحقيق على وجه الخصوص:
1- الأسباب التي أدت الى كارثة الثاني من أغسطس 1990م.
2- تحديد مواطن الخلل في مختلف الأجهزة السياسية والعسكرية.
3- حقيقة الاجراءات التي تم اتخاذها صبيحة ذلك اليوم إزاء الهجوم العراقي على الكويت.
4- استظهار وجه القصور ومواطن المسؤولية عن احداث الثاني من أغسطس 1990م.
5- الخطوات الوقائية التي تم اتخاذها بعد التحرير لتفادي تكرار مثل هذه الكارثة.
وهم إذ يتقدمون بهذا الطلب يأملون باستجابة المجلس الموقر وموافقته على هذا الاقتراح لمصلحة الوطن المجردة، وحتى نضع أمام أعيننا تجارب الشعوب الحية التي تستفيد من الكوارث التي تحل بها، وتتعلم الدروس المفيدة من التجارب السيئة التي تمر بها. وبجلسته بتاريخ 1/12/1992م وافق مجلس الأمة على التقرير السادس للجنة الشؤون التشريعية والقانونية (في دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي السابع) عن تقديم تصور متكامل حول موضوع جلسات المناقشة والتحقيق في كارثة الغزو العراقي الغاشم، كما وافق على مشروع القرار الذي أعدته اللجنة بتكوين لجنة تقصي حقائق في موضوع الغزو العراقي الغاشم.
وتنص المادة الثانية من هذا القرار على أن «تشكل لجنة مؤقتة لتقصي الحقائق في موضوع الغزو العراقي الآثم من تسعة أعضاء طبقاً لنص المادة 44 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ويتم انتخابهم وفقاً لاحكام المادة 45 من هذه اللائحة». كما تنص المادة الثالثة منه على أن «تتولى اللجنة المشار إليها في المادة السابقة تقصي الحقائق في موضوع الغزو العراقي الآثم للوقوف على:
1- كيفية نشوء الأزمة والجهود التي اتخذت للحيلولة دون وقوعها ودون تفاقمها والاجراءات والاحتياطات والخطط التي أتخذت لمواجهتها في حالة تطورها الى صراع مسلح ومستوى أداء كافة الأجهزة التنفيذية العسكرية منها والمدنية عند حدوث الغزو الآثم وما بذل لرده أو للحد من آثاره على المستويين الحكومي والشعبي.
2- كيفية إدارة الأزمة إبان الاحتلال من النواحي السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية والاجتماعية والاجراءات التي اتخذت لرعاية المواطنين داخل الكويت وخارجها والإجراءات التي اتخذت لحماية الاقتصاد الوطني.
3- كيفية إدارة الأزمة بعد التحرير من حيث الإفراج عن الأسرى والرهائن والجهود والأموال التي بذلت من أجل إعادة الاعمار وما قامت به الدولة من أجل استعادة ممتلكاتها وحماية حقوق مواطنيها ومن أجل استتباب الأمن في ربوع البلاد وحماية أمنها من أي عدوان.
4- غير ذلك من أمور ترى اللجنة ضرورة التقصي عنها للقيام بمهامها على الوجه الأكمل.
وبجلسة 8/12/1992م أجريت عملية انتخاب أعضاء اللجنة واسفرت عن تشكيلها على الوجه التالي:
1- صالح يوسف الفضالة رئيسا
2- أحمد يعقوب باقر مقررا
3- د. إسماعيل خضر الشطي عضوا
4- د. يعقوب محمد حياتي عضوا
5- فهد دهيسان الميع عضوا
6- طلال مبارك العيار عضوا
7- محمد ضيف الله شرار عضوا
8- خالد سالم العدوة عضوا
9- عبدالله محمد النيباري عضوا
وقد انضم كل من العضوين: مبارك فهد الدويلة، خلف دميثير العنزي الى اللجنة بعد استقالة العضوين: د. إسماعيل خضر الشطي، طلال مبارك العيار على التوالي بتاريخ 16/11/1993، 30/11/1993م. وقد باشرت اللجنة مهامها خلال الفترة من 10/12/1992م الى 14/8/1995م عقدت خلالها عدد 96 جلسة، تمثل عدد 226.25 ساعة عمل، وتناولت الموضوعات المكلفة بتقصي الحقيقة فيها من ثلاثة جوانب:
1- الجانب السياسي.
2- الجانب العسكري.
3- الجانب المالي.
الجانب السياسي
تدراست اللجنة الوثائق السياسية المتعلقة بالغزو العراقي، التي قدمتها وزارة الخارجية، كما استمعت الى كل من له صلة بأحداث الغزو من مسؤولين وغير مسؤولين بالإضافة الى استشارتها للمستشارين السياسيين في المجلس.
أولاً: هل كان العدوان العراقي متوقعاً؟
هل كان بإمكان القيادة السياسية الكويتية توقع العدوان العراقي في ضوء المعطيات التالية:
1- عبارات التهديد المباشرة وغير المباشرة التي تضمنتها الخطب والرسائل والبيانات الصادرة عن النظام العراقي خلال الأشهر القليلة التي سبقت الغزو مباشرة، وعلى وجه التحديد منذ انعقاد مؤتمر قمة بغداد في أواخر شهر مايو 1990م، وحتى مؤتمر جدة في أواخر شهر يوليو 1990م.
2- المعلومات التي نقلها الى المسؤولين في الكويت سفير الكويت لدى العراق، وبعض المواطنين الذين زاروا بغداد خلال شهر يوليو 1990م.
3- مجمل العلاقات الكويتية العراقية.
أ- التهديدات:
1- يمكن القول بان النوايا العدوانية للعراق تجاه الكويت، ظهرت بصورة واضحة منذ قمة بغداد الاستثنائية (28 الى 31 مايو 1990م فبدت التلميحات في كلمة صدام حسين في الجلسة المغلقة التي انعقدت بتاريخ 30/5/1990م إذ ذكر: « انه فمنذ عام 1986م… ان نوعا من الارباك ساد السوق النفطي، وحصل فيه نوع من عدم الالتزام في قرارات الأوبك… إن سبب هذا الارتباك هو عدم التزام بعض اشقائنا العرب بالذات في مقررات الأوبك عندما أغرق السوق النفطي بما هو فائض عن الحاجة.. ولو في الجلد ما فيه يحتمل لتحملنا… ولكنني اقول باننا وصلنا الى حال لا نتحمل الضغط. إن المعركة تدار بالجنود… إلا ان الضرر الأكبر يأتي من الانفجارات والقتل ومحاولات الانقلاب، وقد يكون أيضاً بالوسائل الاقتصادية.. إنني اقول لمن لا يريد ان يشن حربا على العراق هذه هي نوع من الحرب على العراق».
وقد ذكر السيد راشد عبدالعزيز الراشد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك، أمام اللجنة، أنه من خلال مشاركته في قمة بغداد في شهر مايو 1990م، شعر أن هناك فعلاً مؤامرة تحاك ضد الكويت وسائر الدول الخليجية، وأن هناك تجنيا على دولة الكويت بالذات. وأضاف انه لم يكتب بذلك الى المسؤولين في الكويت، باعتبار ان اصحاب الاختصاص كانوا من المشاركين في اجتماعات القمة، ومن بينهم وزير الخارجية الكويتي، أما هو فقد شارك فيها بصفته وزيراً للدولة لشؤون مجلس الوزراء.
2- وظهرت عبارات التحديي واضحة في الرسالة التي وجهها طارق حنا عزيز وزير خارجية العراق الى السيد الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية بتاريخ 15/7/1990م. فبعد ان اتهم الكويت بالزحف التدريجي المبرمج باتجاه أرض العراق، وأنها نفذت بالاشتراك مع دولة الإمارات العربية المتحدة عملية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الانتاج خارج حصتها المقررة في الأوبك، مما أدى الى تدهور اسعار النفط وانها نصبت منذ عام 1980م منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي وصارت تسحب النفط منه،
وبعد ذلك تضيف الرسالة: اننا ندين ما فعلته حكومتا الكويت والإمارات بالعدوان المباشر على العراق…. أما بالنسبة لحكومة الكويت فإن اعتداءها على العراق هو اعتداء مزدوج، فمن ناحية تعتدي عليه وعلى حقوقه بالتجاوز على أراضينا وحقولنا النفطية وسرقة ثروتنا الوطنية وان مثل هذا التصرف هو بمثابة عدوان عسكري، ومن ناحية أخرى تتعمد حكومة الكويت تحقيق انهيار في الاقتصاد العراقي في هذا المرحلة التي يتعرض فيها الى التهديد الامبريالي الصهيوني الشرس وهو عدوان لا يقل في تأثيره عن العدوان العسكري.
وفي هذه الأثناء حضر طارق عزيز وزير خارجية العراق الى القاهرة في 16/7/1990م. لتثميل بلاده في اجتماع وزراء خارجية دول الجامعة العربية والقى كلمته التي قال فيها (إن بلادنا لن تركع أمامكم، ونساء العراق لن يتحولن الى بائعات هوى، وأطفالنا لن يحرموا من الحليب).
3- وقبل ان ترد دولة الكويت على هذه الرسالة، أعلن صدام حسين في 17/7/1990م ان السياسة التي يتبعها بعض الحكام العرب هي سياسة أميركية… «إن هذه السياسة خطيرة الى الحد الذي لا يمكن السكوت عليها، ولقد الحقت بنا ضررا جسيماً… ولأن العراقيين الذين اصابهم هذا الظلم المتعمد مؤمنون بما فيه الكفاية بحق الدفاع عن حقوقهم وعن النفس، فإنهم لن ينسوا القول المأثور (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).
وإذا ما عجز الكلام عن ان يقدمه لأهله ما يحميهم فلا بد من فعل مؤثر يعيد الأمور الى مجاريها الطبيعية ويعيد الحقوق المغتصبة الى أهلها… ولكن أصحاب السوء هم وحدهم الذين يتحملون أمام الله وأمام الأمة نتائج سيئاتهم… فهم بدلا من أن يكافئوا العراق… غرزوا الخنجر المسموم في الظهر…. اللهم الهمنا الصبر الى الحد الذي ليس أمام الصابرين غير ما تعتبره مشروعا وصحيحا، يوم يفقد الصبر قدرة التأثير، واللهم اقتل بذور الشر داخل نفوس حامليها… اللهم اشهد إنني قد بلغت».
4- ورد وزير خارجية الكويت على الرسالة العراقية بكتاب مؤرخ 18/7/1990م. الى الأمين العام لجامعة الدول العربية، فند فيه الادعاءات العراقية وأوضح ان جزءا من حقل الرميلة/ الرتقة يقع ضمن الأراضي الكويتية وعليه قامت الكويت باستخراج النفط من آبار تقع ضمن أراضيها جنوب خط الجامعة العربية وعلى مسافة كافية من الحدود الدولية وفقا للمقاييس العالمية، وان تدهور الاسعار كان بفعل مشكلة عالمية تدخل فيها اطراف عديدة منتجون ومستهلكون ومن داخل الأوبك وخارجها، واقترح اختيار لجنة عربية يتفق على أعضائها كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود على اسس المعاهدات والوثائق القائمة بين الكويت والعراق،
وفي 21/7/1990م بعثت حكومة الكويت إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة برسالة حول الموضوع تتصمن خلاصة المذكرة العراقية ورد الكويت عليها، وذلك للاحاطة ودون أن تطلب اتخاذ اي اجراء معين، اي انها لم تحاول تدويل القضية واثرت الابقاء عليها داخل الاطار العربي، واحاطة الامم المتحدة بما تضمنته المذكرة العراقية تمشيا مع الاعراف والممارسات الدولية المعتادة في هذا الشأن، ومن واقع التزام الكويت بمبادئ واحكام ميثاق الأمم المتحدة.
5- وفي 19/7/1990م اصدر المجلس الوطني العراقي بيانا دعا فيه ممثلي الشعب العربي وبرلمانات الأمة العربية ليأخذوا دورهم الكامل فيما اسماه اعلاء كلمة الأمة واجتثاث كل المواقف الضعيفة من بعض الحكام الخليجيين الذين دخلوا اللعبة المؤذية للعراق وللأمة العربية.
6- وفي 21/7/1990م رد العراق على مذكرة الحكومة الكويتية المؤرخة 18/7/1990م، واعاد في هذا الرد المزاعم العراقية التي وردت في الرسالة المؤرخة 15/7/1990م، هذا بجانب عبارات التهديد غير المباشرة: ان المسؤولين في الحكومة الكويتية.. يندهشون اليوم… لانهم اعتادوا على استغلال سكوتنا وصبرنا طيلة سنوات وسنوات، ونحن نكتم الجرح حرصا منا على الحفاظ على علاقات الأخوة التي لم يحترموها وعلى المصالح القومية العليا التي استهتزؤوا بها عمدا..
غير ان المسؤولين في حكومة الكويت هم الذين اساؤوا الى هذه المبادئ عندما تعمدوا باسلوب مخطط ومبرمج وطيلة سنوات الحرب (العراقية الإيرانية) وبعدها الحاق الاذى بالعراق والتجاوز على ارضه وحقوقه.. ويؤكد ما اثبتناه.. في رسالتنا في 15/7 من ان السياسة التي اتبعتها حكومة الكويت انما كانت سياسة اميركية هو التصريحات الاميركية الاخيرة التي تقول بصراحة ان باستطاعة حكومة الكويت ان تستظل بالقوة الاميركية، وهذا تشجيع لالبس فيه لحكومة الكويت لكي تمضي في سياستها التي تتعمد العدوان على العراق والأمة العربية.
7- وبتاريخ 24/7/1990م أعلن العراق رفضة لاقتراح الكويت تشكيل لجنة في اطار جامعة الدول العربي للفصل في موضوع ترسيم الحدود، وقال وزير خارجية العراق ان الخلافات على الحدود بين الدول العربية تحلها الدول المعنية ذاتها وليس اللجان المشكلة من الدول العربية.
ب – التحذيرات:
1- ذكر خالد البحوه سفير دولة الكويت السابق لدى العراق انه كانت التصرفات كلها تدل على ان هناك توجه للعملية العسكرية عندما التقطنا بعض الكلمات من خطاب صدام في يوم 17/7 وكان التهديد واضحا، شعرت ان الرجل مقدم على فعل وليس قول، واعتقد لست بهذا الذكاء الشاذ، لان الكثيرين من المراقبين شاركوني في هذا الرأي والمراقبين الدبلوماسيين بالذات الذين كنت على علاقة مباشرة معهم..
ثم منطوق المذكرات العراقية التي وجهت للجامعة العربية، روح المذكرة وكلماتها إذا اضيفت إلى خطابه الذي القاه، ثم عملية رصد التحرك العسكري على مناطق جنوب العراق باتجاه حدودنا، كانت المعلومات تكاد تكون شبه معلنه بالنسبة للمراقبين في الساحة داخل العراق في تحرك القوات ونقلها من الشمال للجنوب وتكثيفها ثم عملية الدعم اللوجستيكي الضخم جداً للجيش العراقي في هذه المنطقة التي خرجت عن دائرة المناورات…
لكن المؤشرات التي تركت انطباعا شخصيا عندي كمراقب بان هناك عملية عسكرية.. وكانت الدبابات على خط سكة الحديد النازلة من الشمال الى الجنوب وترى بالعين المجردة ولا تريد عملية استنتاج، عندما يكون هذا الزخم العسكري للتحرك نحو الجنوب في تلك الاجواء السياسية المتفجرة اعلاميا لابد ان تكون المحصلة في ذهن الإنسان ان النتيجة عملية عسكرية رغم قوله انها مناورات، هذه العمليات العسكرية بهذا الحجم لم تكن واردة مطلقا، لكن كان في حقيقة تقول انهم سيقومون بعملية عسكرية داخل الحدود الكويتية بمعنى ان يصلوا الى اختراق الحدود وتجري المفاوضات بعد دخول القوات العراقية للاراضي.
وعندما سئل (أكدوا لك الاميركان في عمل عسكري، فهل قمت بتبليغ هذا التأكيد، هل وجهت برقية بذلك، وفي البرقيات كان تأكيد ان العراق مقدم على عمل عسكري، اجاب: انا لم استدع ولم يطلب مني الحضور للكويت، ونعم في برقياتي اكدت على العمل العسكري وخاصة في آخر برقية التي نقلتها عن السفيرة الاميركية جلاسبي ان هناك عملا عسكريا.
وعندما سئل (آخر اتصال لك مع القيادة السياسية، الخارجية الكويتية، متى؟) أجاب: آخر برقية يوم الأربعاء، معلومات وردت عن زيادة التحرك العسكري، وكثير من الاشاعات التي كانت تتردد في الاوساط الدبلوماسية عن احتمالات الضربة العسكرية، وكنت اعقب على ربط الموضوع من برقياتي السابقة كتأكيد لما أثارته مثل الاميركية أو ما وصلهم سابقاً من المصادر، كنت اربط الموضوع دعم تصعيد في عملية الاحساس باقتراب العملية العسكرية كان يوم الاربعاء ظهرا.
كما جاء في اقواله: ثم بعد التأكد بعثنا بالبرقيات للوزارة حول التحرك العسكري في اتجاه الجنوب في اليوم الفلاني تمرصد القطار الساعة كذا آخر برقية بعثتها يوم الاثنين (وهو 28/7) حول العملية العسكرية، هي السفيرة قابلت صدام يوم 25 يوم الجمعة، السبت حاولت أشوفها ما قدرت كان في اتصال تليفوني معها، وقالت لي أنا أمر عليك بالبيت وجاءتني يوم الأحد.
2- في منتصف شهر يوليو 1990م زار بغداد عدد من رجالات الكويت بدعوة من وزير الاعلام العراقي للمشاركة في عيد الثورة وكان من بينهم السادة /فيصل بندر الدويش، مشاري العصيمي، أحمد بزيع الياسين، وقد أفاد السيد/ فيصل الدويش أمام اللجنة أنه في لقاء مع وزير الاعلام العراقي ذكر هذا الاخير: يؤسفنا اخوتي الكويتيين ندخل في حرب مع الكويت.. والحرب هذه ليست موجهة لكم يا الشعب الكويتي بقدر ما هي موجهة الى الحكومة الاستعمارية عندكم، واستخدم الوزير العراقي عبارات تكاد تتفق مع عبارات مذكرة العراق المؤرخة 15/7/1990م الموجهة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية:
والكويت مع الأسف نتيجة انشغالنا في الحرب زحفت علينا زحفا مبرمجا واحتلت جزءا من اراضينا وأقامت منشآت نفطية وزراعية وعسكرية، ويضيف السيد/ فيصل الدويش انه فور عودته من بغداد، وفي يوم الجمعة الموافق 20/7/1990م، اتصل به الشيخ ناصر محمد الأحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك، وذهب فيصل الدويش لمقابلته في منزله في نفس اليوم الساعة السابعة مساءً، وابلغه بما سمعه في بغداد، وفي يوم السبت 21/7/1990م نقل هذه الاخبار إلى سمو الأمير بحضور الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية، كما نقلها في اليوم ذاته الى سمو الشيخ سعد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بحضور الشيخ سالم وزير الداخلية، وكان مما قاله فيصل الدويش في هذه اللقاءات عن تقييمه للوضع:
والله تقييمي طال عمرك احتمالين، الاحتمال الاول… من الارض ما استطاع، لانه شخص .. ما له خط رجعه لكم، والاحتمال الثاني وعندي الاحتمال الاول ارجح ابتزاز، لكن طال عمرك الوضع في منتهى الخطورة، وأنا افضل انك تستعين باصدقائك ما استطعت.. والكويت ترى إذا عرف صدام انها ما هي بلقمة سايغة يبي يحسب ألف حساب، كما ذكر جزءا من حديثه مع الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية في يوم الأربعاء 1/8/1990م: يا صباح، البلدسوف يضيع، قال لي ليه؟ قلت…. يا طويل العمر على حدودك حسب وكالة الانباء واللي جايين ما بين 35 ومائة الف عسكري يتأهبون لدخول البلد، وكان رد وزير الخارجية: ما فيه أمر مقلق.
ويظهر كذلك من التحقيق أن السفارة الكويتية لدى العراق، استدعت السيد/ عدنان الراشد عضو جمعية الصحافيين الكويتية، والذي كان مرافقا للمواطنين الكويتيين الى بغداد، وحصلت منه على جميع المعلومات التي تدور حول الموقف العدائي للعراق تجاه الكويت في هذه الفترة، وأن السفارة نقلت بدورها هذه المعلومات الى الشيخ ناصر محمد الأحمد وزير الدولة للشؤون الخارجية، وتم ذلك قبل عودتهم إلى الكويت.
كما أفاد السيد/ مشاري العصيمي انه عند عودته الى الكويت (وكان من بين من سافر الى بغداد) نقل هذه الانباء الى سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وكان مما ذكره له ان: هذه التهديدات يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لسبب رئيسي الى ان الوضع الاقتصادي في العراق سيئ جداً.
كما أفاد السيد/ أحمد البزيع انه فور عودته الى الكويت، سعي الى لقاء سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، ونقل إليه تلك الانباء، وقال له: «أنا علمتك والواحد برأ ذمته». لذلك فإنه من المؤكد ان التهديدات العراقية التي سمعها الكويتيون في بغداد في منتصف يوليو 1990م، قد نقلها كل من: فيصل بندر الدويش، مشاري العصيمي، أحمد بزيع الياسين، كاملة الى المسؤولين في الحكومة، وذلك فور عودتهم الى الكويت، هذا بالاضافة الى المعلومات التي ادلى بها عدنان الراشد للسفارة الكويتية لدى العراق والتي نقلتها السفارة بدورها وفورا الى المسؤولين في الكويت.
3- افاد السيد/عبدالرحمن سالم العتيقي، مستشار سمو الأمير، انه خرج من الكويت يوم 22/6/1990م وانه عند التهديد الذي اعلنه صدام حسين في خطابه بتاريخ 17/7/1990م كان في الأردن، وعاد الى الكويت وقابل سمو الأمير، وعندما استفسر منه سموه بما عنده، أجاب: والله طويل العمر أنا أعتقد ان صدام جاي لنا، الكلام ماله تهديد للكويت، وأنا كمواطن عادي بغض النظر عن منصبي.. الخطاب واضح وصريح، الرجل جاي، يقول قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق.
4- أفاد الدكتور طارق رزوقي سفير الكويت في باريس ان المخابرات الفرنسية اخبرته في يوم الاثنين 30/7/1990م، أن الحشود العراقية يزداد عددها وانه من المحتمل ان تقوم بعملية وانه لا يمكن تركها في مواقعها الحالية فاما ان تتحرك وترجع الى الوراء واما ان تتقدم الى الامام، واضاف السفير انه حضر الى الكويت ونقل هذه المعلومات الى سمو ولي العهد.
5- كما ذكر سعود الصباح سفير الكويت السابق لدى الولايات المتحدة الاميركية: كنت على اتصال دائم مع وزارة الخارجية الأميركية، مع وكالة الاستخبارات الاميركية، مع البيت الأبيض ومع وزارة الدفاع حول هذه الأمور وأقولها بكل أمانه بأن جميع هذه الاجهزة كانوا يطلعوني أولاً بأول بكل ما يحدث من تصعيد ومن حشود عراقية على الحدود التي تلت تقديم هذه المذكرة، وكنت على اتصال دائم مع حكومتي في هذا الموضوع.
6- ويضيف السيد/ عبدالله يوسف الغنيم الذي كان آنذاك وزيرا للتربية: وفي نفس الفترة – يوليو 1990م – توالت البرقيات من سفارات الكويت بالخارج وكان هناك اشارات لوجود حشود واحتمال قيام العراق بعمل عدواني، كانت يومياً تصل التقارير من السفارات الكويتية في الخارج أولا باول، وكانت تقرأ كل رسالة تصل من اية سفارة في الخارج في مجلس الوزراء.
7- وذكر السيد/ سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية انه: في آخر زيارة للشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية لبغداد في 18 فبراير 1990م واثناء غداء دعا اليه طارق عزيز، كان بجانبه (أي بجانب وزير الخارجية الكويتي) سمير عبدالوهاب: وزير الداخلية العراقي، وجرى الحديث حول موضوع الحدود، فقال سمير عبدالوهاب: ما بيني وبين الكويت إلا كل خير، لكن نأخذ على البكر أبو الجيش وأبو الثورة نأخذ عليه نقطة سوداء في تاريخه… هو ان وقع معاكم اتفاقية.
مجمل العلاقات الكويتية العراقية:
يمكن القول ان مشكلة ترسيم الحدود هي التي كانت تحكم العلاقات بين الكويت والعراق، وان تلكؤ العراق في اقرار هذه الحدود، هو السبب الرئيسي في التوتر الذي كان يشوب، من وقت إلى آخر العلاقات بين البلدين.. ولعل التصريحات التالية من قبل المسؤولين العراقيين توضح نظرة العراق الى مشكلة الحدود:
تصريح للسيد/ مرتضي سعيد عبدالباقي، وزير خارجية العراق في 1973م بان: كل الكويت أرض متنازع عليها، هناك وثيقة تقول ان الكويت أرض عراقية، ولكن لا توجد هناك اي وثيقة تقول انها ليست ارضا عراقية.. نحن لا نأخذهما (جزيرتي وربة وبوبيان) من الكويت، ولكننا نتخلى عن الكويت من اجل الجزيرتين.
(راجع د. عبدالرضا علي اسيري، الكويت في السياسة الدولية المعاصرة، ص 140).
2- ما ورد في مذكرة طارق عزيز نائب رئيس الوزارء ووزير خارجية العراق الى الامين العام لجامعة الدول العربية، بتاريخ 15/7/1990م الوطن العربي برغم انقسامه الى دول هو وطن واحد، وان اي شبر من هذا الوطن هنا او هناك، في ارض هذا القطر او ذاك يجب ان ينظر اليه اولا في ضوء الاعتبارات القومية، وخاصة اعتبارات الامن القومي العربي المشترك، كما ينبغي تجنب الوقوع في مهاوي النظرة الضيفة والانانية في التعامل مع المصالح والحقوق لهذا القطر أو ذلك إن مصالح الأمة العربية العليا والحسابات الاستراتيجية العليا للأمن القومي العربي يجب ان تكون حاضرة دائما كما يجب ان تكون المعيار الأول في التعامل في كل هذه المسائل بين الاقطار العربية.
3- ما جاء في مذكرة 21/7/1990م الموجهة من العراق إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية من أن وضع الحدود في الواقع وضع بلدين متجاورين تجمعهما اواصر القربي الوثيقة لم يتوصلا حتى الآن إلى أي اتفاق حول تحديد حدودهما في البر والبحر.
والمشكلة بين البلدين لم تكن في تحديد الحدود، ولكن في ترسيم الحدود، اي في وضع الخط الحدودي على ارض الواقع، برا وبحرا.
1- تحديد الحدود:
في سنة 1931م تم التوقيع في لندن على اتفاقية بين كل من بريطانيا (الدولة الحامية للكويت آنذاك) والدولة العثمانية (حيث كان العراق تحت الحكم العثماني)، وقد حددت المادة السابعة من هذه الاتفاقية خط الحدود بين الكويت والبصرة، ولم تدخل هذه المعاهدة حيز التنفيذ بسبب قيام الحرب العالمية الأولى.
< في اواخر نوفمبر سنة 1922م وجه السير بيرسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق الدعوة الى العراق والكويت ونجد لعقد مؤتمر في العقير، ومثل الكويت في هذا المؤتمر المعتمد البريطاني السير مور، وكان الموضوع الاساسي للمؤتمر تحديد الحدود بين الدول الثلاث، وقد وقعت الاطراف الثلاثة على اتفاقية العقير في 2/12/1922م، وكانت حدود الكويت في هذه الاتفاقية هي تلك الحدود التي تم التوصل اليها في اتفاقية سنة 1913م.
< وفي الرسائل المتبادلة بين الكويت والعراق (21/7، 10/8/1932م) وأكد المسؤولون العراقيون مسار الحدود بين العراق والكويت، وهي ذات الحدود المنصوص عليها في المادة السابعة من مسودة الاتفاقية البريطانية التركية سنة 1913م.
< وفي سنة 1936م وفي عهد الملك غازي صدر الدليل السنوي للعراق الذي احتوى على تفصيل دقيق للحدود بين العراق والكويت، كما تضمن خرائط واضحة تمثل الكويت كدولة مستقلة، ويظهر من هذا الدليل ان خط الحدود الجنوبية للعراق يبدأ من منتهى الساحل الجنوبي لناحية الفاو ثم يسير متعقبا الساحل حتى يقطع خور عبدالله.
< وبدأت لأول مرة مطالبة العراق بالكويت عام 1937م، فقد بدأت في ذلك العام إذاعة موجهة من القصر الملكي في بغداد (قصور الزهور) تشن حملة دعائية عنيفة ضد الكويت، كما أوردت بعض الصحف العراقية نبأ عزم العراق على ضم الكويت، وان الملك غازي اصدر اوامره بهذا الخصوص، ويقال ان الجيش العراقي رفض تنفيذ الاوامر، وانتهت تلك الازمة بمقتل الملك غازي في عام 1939م.
< وفي سنة 1961م، بينما كانت الكويت تحتفل باستقلالها السياسي الذي بدأ رسميا في 19/6/1961م اعلن الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم في مؤتمر صحافي في بغداد بتاريخ 25/6/1961م ان الكويت جزء من العراق، وهدد باستخدام القوة، وكان الجيش الكويتي آنذاك بسيطا لا يقاس من حيث عدده وعتاده بالجيش العراقي، لذلك ناشد حاكم الكويت (الشيخ عبدالله السالم) بريطانيا تنفيذ بنود معاهدة الصداقة المبرمة بين البلدين، واستجابة لهذا الطلب، التزاما ببنود معاهدتها ووعودها للكويت،
اعلنت الحكومة البريطانية في 30/6/1961م انها في طريقها لاتخاذ بعض التدابير الوقائية، وبناء على ذلك تحركت عدة سفن بريطانية وحاملات القوات والطيران الجوي تجاه الكويت، وفي 1/7/1961م نزل 600 جندي بريطاني في الكويت، وانتشروا على طول الحدود مع العراق. وقد بلغ اقصى عدد للقوات البريطانية المرابطة في الكويت ما يقارب5000 جندي بالاضافة الى2000 جندي سعودي.
وبتاريخ1961/7/12م طلبت الكويت ان تستبدل بالقوات البريطانية قوات تابعة لجامعة الدول العربية التي تـــوافدت على الكويت خلال الفترة من1961/9/10م حتى1961/10/3م، بينما أنهت القوات البريطانية انسحابهــا مـــن الكــويت في1961/10/10م عدا بعض المستشارين.
وفي 1961/10/4م (وبعد ان اطيح بعبد الكريم قاسم) وقعت الكويت والعراق على محضر اعترفت فيه العراق باستقلال الكويت وسيادتها التامة بحدودها المبينة بكتاب رئيس الوزراء العراقي بتاريخ1932/7/21م والذي وافق عليه حاكم الكويت بكتابه المؤرخ1932/8/10م، كما تم تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى السفراء، وانضمت الكويت الى جامعة الدول العربية في سنة1961م، والى هيئة الأمم المتحدة في سنة1963م.
2- ترسيم الحدود:
رغم تحديد الحدود بموجب الاتفاقيات المذكورة، فقد ظل ترسيم الحدود عالقا بين الدولتين، مع مطالبة العراق تارة بجزيرة وربة (1951م) وتارة بجزيرتي وربة وبوبيان(1952م)، وتارة بجزيرة وربة ومنطقة ساحلية بعمق أربعة كيلومترات مقابل مد الكويت بالمياه العذبة من شط العرب(1954م).
وفي1972/5/2م زار الكويت السيد مرتضى سعيد عبد الباقي وزير خارجية العراق آنذاك وأبدى استعداد بلاده للعمل من أجل حل مشكلة الحدود بشروط منها:
1- التنسيق السياسي بين العراق والكويت بما يتعلق بقضايا الخليج.
2- استخدام رأس المال الكويتي في العراق.
3- السماح بنقل الأيدي العاملة العراقية الى الكويت بصورة مفتوحة وحرة.
4- تعاون دفاعي مشترك بين البلدين.
5- إيجاد مناطق استراتيجية للعراق في الكويت.
وفي1973/3/20م كانت حادثة الصامتة، حيث قام العراق بشق طريق يمر خلف مركز الصامتة الكويتي ويبعد عنه حوالي150 الى200 متر، وخلال المفاوضات التي تبعت هذا الانتهاك الحدودي عرضت الحكومة العراقية ان تتنازل الكويت عن جزيرتي وربة وبوبيان، وقوبل هذا العرض بالرفض من جانب الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية ورئيس الوفد الكويتي.
وكان من نتيجة هذا الموقف الثابت من جانب الكويت ان قامت القوات العراقية بهجوم على مركز الصامتة الحدودي وتوغلت مسافة ثلاثة اميال داخل الاراضي الكويتية. وبدأ التحرك العربي والدولي لمساندة الكويت واحتواء الأزمة.
ومع قرب مغادرة بريطانيا منطقة الخليج العربي في نهاية الستينات ازدادت العلاقات العراقية الايرانية سواء حول قضية شط العرب. واستخدم العراق مزيجا من الاقناع والضغط على الكويت لوضع قواته في المناطق الكويتية كجزء من قوة عسكرية لحماية ميناء أم قصر من هجوم ايراني وشيك. وخلال زيارة وزيري الداخلية والدفاع العراقيين للكويت في شهر ابريل سنة1969م اذن الكويتيون ضمنا بوضع القوات العراقية داخل الاراضي الكويتية.
ومنذ ذلك الحين زعم العراق بأنه قد تم التوصل الى اتفاق غير مدون والذي كان في جوهره اسلوبا تنفيذيا او امرا واقعا. واستمر هذا الوجود المؤقت للقوات العراقية حتى بعدما هدأت التهديدات الايرانية. ويبدو ان العراقيين أرادوا ان يحولوا الوضع القائم الى وضع شرعي قانوني ودائم. وبدأ العراقيون يقومون بأعمال وانشاءات داخل الحدود الكويتية. وزار بغداد آنذاك وفد كويتي عالي المستوى برئاسة الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية لتطويق محاولات التوسع العراقي، ولكن دون نتيجة.
وعندما زار سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بغداد خلال شهر مايو 1989م، وبدأ سموه الحديث مع نظيره عزة ابراهيم عن موضوع ترسيم الحدود، كان الرد- كما افاد ابراهيم ا لبحوه سفير الكويت لدى العراق آنذاك- شرسا وجافا. وكانت الادعاءات العراقية اكبر مما كان يتوقعه الجانب الكويتي.
ورفض الجانب العراقي الاعتراف بأن وربة جزيرة كويتية، وطلب ان تتقاسم الكويت والعراق جزيرة بوبيان، وان يكون للعراق قواعد وتسهيلات في الخليج وبالذات في جزيرة فيلكا، وهاجمت الصحافة العراقية سموه هجوما قاسيا قرر معه قطع زيارته لبغداد والعودة فورا الى الكويت لولا نجاح صدام حسين في اذابة هذا الجليد.
وانتهت الزيارة الى مجاملات ولم تسفر عن شيء. وحاول الجانب الكويتي ان يضمن البيان المشترك الاشارة الى دعم لجنة ترسيم الحدود (وليس تحديد الحدود) ولكن دون جدوى، وانتهى الأمر الى عدم اصدار بيان مشترك واصدر كل جانب بيانا صحفيا على مسؤوليته.
وفي زيارة للشيخ صباح الاحمد وزير الخارجية لبغداد في 1990/2/18م، عرض عليه سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء العراقي مقترحين، احدهما باسم (المقترح التعاوني) و الثاني باسم (المقترح الأمني). وكلاهما يتضمن احكاما غير مقبولة وتمس سيادة دولة الكويت بصورة مباشرة. من ذلك ما تنص عليه المادة السادسة من المقترح التعاوني من ان قرارات مجلس الدفاع المشترك(الذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع للدولتين) يكون ملزما لهما.
اما المقترح الأمني، فيجعل من دولة الكويت مسرحا مفتوحا للعراق برا وبحرا وجوا، اي انه يجعل من الكويت قاعدة عسكرية للعراق. هذا بينما المعاهدة التي ابرمها العراق مع دولة البحرين كانت مجرد معاهدة عدم اعتداء بين الدولتين. وقد رفض وزير الخارجية الكويتي هذين المقترحين مؤكدا انه لا يجوز دستوريا لسمو اميرالكويت ولا لوزير الخارجية التنازل عن الأرض. واضاف وزير الخارجية انه يتعهد، بعد الانتهاء من ترسيم الحدود، بالبحث في كل ما يسهل للعراق امره فيما يتعلق بالبحر.
ولدى عودته الى الكويت بعث وزير الخارجية الكويتي رسالة بتاريخ1990/3/17م الى سعدون حمادي حملها اليه وكيل وزارة الخارجية الكويتية سليمان ماجد الشاهين جاء فيها:«انني قد فوجئت بما قدمتموه لنا من مشروعي اتفاقيتين ذات مضامن امنية ودفاعية كي تكون محور البحث بيننا…. فقضية ترسيم الحدود باعتبارها مسألة فنية ذات مدلول سياسي ليست بالتي تستحق منا -على أهميتها- كل هذا التأجيل»، وفي رسالة تالية بتاريخ1990/4/17م يذكر وزير الخارجية الكويتي:«انه ليسعدني ان التقي معكم بالكويت لنعمل سويا على تهيئة نهائية لموضوع ترسيم الحدود في اطار الاتفاقيات المعقودة بين بلدينا الشقيقين، والذي بلاشك سيمهد الطريق لبحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك».
وفي رسالة جوابية لنائب رئيس الوزراء العراقي بتاريخ1990/4/30م، اصر، وبعبارات جافة، على ان مسألة الحدود بين العراق والكويت لم تكن في اي وقت من الأوقات مسألة فنية، وان ما يسميه وزير الخارجية الكويتي باتفاق ليس له اي اثر قانوني او واقعي، وقد طويت صفحته منذ وقت طويل، وان الوضع في الواقع ومنذ تكوين الكويت والعراق في هذا القرن هو وضع بلدين متجاورين تجمعهما اواصر القربى الوثيقة لم يتوصلا حتى الآن الى اتفاق حول تحديد حدودهما في البر والبحر،
وان العراق يرغب في معالجة هذه القضية في اطار لا ينطلق من الأنانية القطرية بل من اعتبار شبر الأرض العراقي او الكويت سواء كان في البر او البحر جزء من الوطن العربي، وان هاجس العراق ان يكون في وضع يستحقه تاريخيا وواقعيا يمكنه من الدفاع عن الامن القومي في هذه المنطقة.
ولم يحسم موضوع ترسيم الحدود بين الكويت والعراق بصورة نهائية الا بعد ان اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقـــم687/1991م بضرورة حل مسألة الحدود بين البلدين من خلال لجنة دولية لترسيم الحدود مكونة من الكويت والعــــراق واندونيسيا والسويد ونيوزيلاندا، وفــــــي1992/8/26م اعتمد مجلس الامن بقراره رقم1992/773م تقرير لجنة ترسيم الحدود البرية بين الكويت والعراق، واعترف العراق بذلك رسميا في سنة1994م.
والحق ان الكويت كانت تحاول دائما حل مسألة الحدود بالكثير من الحكمة والتعقل والأناة، متجنبة اسلوب الاثارة، ومع الحرص على الابقاء على صلة حسن الجوار قائمة بما يسمح بالمزيد من التشاور وتبادل وجهات النظر، وكان رائد الكويت في ذلك كله الا يتم حسم هذه المسألة علىحساب استقلالها وسيادتها ووحدة اراضيها. ويظهر هذا التوجه من كتاب وزير الخارجية الكويتي المؤرخ 1990/3/17م الموجه الى سعدون حمادي نائب رئيس الوزراء العراقي، فقد جاء به ان:«الكويت لا تتحرج ابدا من التطرق لأية قضية تهم بلدينا الشقيقين، بل تبدي كل الاستعداد للتعاون في كل ما من شأنه دعم امن واستقرار بلدينا، وهناك مجالات لا حدود لها للتعاون بين بلدينا سواء على المستوى الرسمي او على ا لمستوى الشعبي متى تهيأت كافة الظروف الموضوعية لتحريرها من كافة المعوقات التي تحد من انطلاقها».
وحتى بعد اشتعال الازمة اعتبارا من1990/7/15م، كان رد الكويت في 1990/7/18م انه:«تأكيدا على حرص الكويت على انهاءهذه المسألة الهامة مع العراق، وايمانا من الكويت بسلامة موقفها وبما يمليه عليها انتماؤها القومي فانها تحتكم لأمتها في اختيار لجنة عربية يتفق على أعضائها كي تقوم بالفصل في موضوع ترسيم الحدود على أسس من المعاهدات والوثائق القائمة بين الكويت والعراق». غير ان هذه المبادرة لم تجد لدى العراق-كما سبق القول- اذنا صاغية.
ثانيا- كيف تعاملت السلطة التنفيذية الكويتية مع التهديدات العراقية:
يقول السيد راشد عبد العزيز الراشد، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في مايو1990م، وعضو الوفد الكويتي المشارك في قمة بغداد في هذا التاريخ:«لو أردنا الآن أن نضع ونحلل الصورة ونحلل الحركة لصدام ومن معه واعوانه من المجتمعين لرأينا ان هناك فعلا مؤامرة تحاك ضد ليس باعتقادي الكويت، انما الخليج، وهو استنفار من هؤلاء للاستحواذ على اكبر اموال ممكنة من خلال الضغط والتخويف السياسي…
انا خرجت بانطباع ان هناك مؤامرة علينا….. وباعتقادي ان جميع من حضر هذا الاجتماع وباعتقادي انه يشاركني هذه المشاعر بأن هناك فعلا تجني على الكويت بالذات»، ويضيف السيد راشد الراشد انه لم ينقل هذه المشاعر بصورة رسمية الى سائر المسؤولين في الحكومة الكويتية، لأن وزير الخارجية الكويتية كان مشاركا في الاجتماعات ويعرف ما دار فيها، وليس مطلوبا منه، كوزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ان يكتب مذكرة لأي شخص كان.
وبعد ان تصاعدت الأزمة، اي بعد 1990/7/15م، توقع السيد ضاري عبد الله العثمان وزير العدل والشؤون القانونية آنذاك، ان العراق يزمع القيام بعمل ما ضد الكويت، فقد افاد امام اللجنة:«بعد ان أودعت المذكرة في مجلس جامعة الدول العربية فكان فيه اجتماع في ثاني يوم لمجلس الوزراء، وتم استعراض المذكرة العراقية التي بها تحديد لعناصر معينة….
وكانت في قراءات متعددة للمذكرة. وكانت لي قراءتي الخاصة من خلال استعراض العبارات التي وردت في المذكرة. واذكر في ذلك الوقت بأن المذكرة هذه اعتقد انها البداية لتحرك معين من النظام العراقي، والله يستر الى اي مدى يريدون ان يصلوا في هذا التحرك، وانا اعتقد ان النظام العراقي يريد ان يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل، وهذه العبارة اتذكر اني قلتها…. الحقيقة اني اتكلم وانا منزعج جدا، واعتقد ان العراق يريد ان يقوم بعمل ما ضد الكويت، وطبعا انا استبعدت القضية، قضية نزاع على الحدود او نزاع على الجزر، لكن كنت اتصور ان القضية اكبر من هذا… ان القضية ليست قضية ما ورد في المذكرة او قضية نفط ولا قضية مزارع، القضية ان العراق يريد ان يلعب مع الكويت لعبة الذئب والحمل، فالذئب يريد ان يلتهم الحمل».
غير ان رؤية السيد ضاري العثمان لم تكن هي رؤية سائر المسؤولين في الحكومة الذين لم يتوقعوا الغزو، او انهم لم يتوقعوا الاجتياح الكامل للكويت بل مجرد اختراق القوات العراقية للحدود واحتلال جزيرتي وربة وبوبيان وجزءا من الساحل الشمالي، اما ما حدث في1990/8/2م فقد كان خارج نطاق التوقع لدى المسؤولين:
1- فقد أفاد الشيخ صباح الأحمد النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية انه:«يعني ما كنت يوم من الايام اتصور ان العراق بده يعمل بغض النظر عن اي مذكرة حصلت، لكن قلت يمكن يحصل بوبيان ووربة يحتلها، ولكن ان يصل ان يحتل بلدا بكاملها، واللي ما حطيتها في ذهني، فكذلك قد يكون انا بتصوري غلط، لكن هذا كان احساسي، احساسي مو ان يسوي شيء، يسوي ممكن ما مو سيصل الى الكويت،
انه يدخل رأسا الى الكويت ويضمها التاسعة عشر بالسرعة بهذا الشكل، لا كنا متوقعين يدخل3 كيلو يأخذ النفط مال الرتقة، يأخذ الجزيرة مالت وربة وبوبيان، ينزل فيها، كل هذا كنت متوقعه، لكن ما توقعت يوم من الأيام ان يصل الى الكويت…. لكن ما كنا يوم من الأيام افكر في ان العراق سيصل الى هذاالحد».
2- وعندما سئل السيد عبد الرحمن العوضي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك عما اذا كان مجلس الوزراء قد عقد جلسة تساءل فيها الاعضاء عن مبررات الحشود العسكرية، اجاب:«تساءلنا، وتناقشنا بشكل تفصيلي يوم الاحد لدرجة ما كنا نعتقد ان هذا سوف يهاجم، هناك تساؤل لكن استبعد انه يهاجم، ان هذا من ضمن تهديدات صدام العادية لنا. بدأها بخطاب، وبالتالي ما كان نتوقع انه يهجم… للضغط عليها».
3- ويقول السيد علي الخليفة العذبي وزير المالية آنذاك: «السياسة الكويتية من الستينات بنيت على حسن النية بالنسبة للعراق».
4- ويقول السيد محمد ابو الحسن المندوب الدائم للكويت لدى الامم المتحدة:«العلاقات كانت بين الكويت والعراق متكاملة وجيدة جدا… لم يدر بالخلد على الاطلاق ان سوف نواجه بهذا التطور».
5- وافاد السيد حمد الرومي وكيل وزارة الاعلام آنذاك انه:«لم يكن في ذهننا انه راح يصير غزو في الصورة هذه، نتكلم بصراحة، واي مواطن لا يمكن ان يفكر في احتلال للجزر او منطقة بترولية، هذا كان متوقع، اما بالنسبة لاحتلال الكويت، فهذا لم يكن الواحد في خلده».
وأكد كل ذلك ما ذكره سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء امام اللجنة: «انا راح اقول لك الانطباع اللي كان عندي انا. انه اذا حصل هجوم عراقي فقط فيكون محدود في اماكن معينة بأحد حقول نفط في الرتقة. يزيد ويحتل جزيرة بوبيان انما ما تصورت في بالي بأنه سيحتل الكويت. وانا قلت اكثر شيء هو بيعمله انه يعسكر هناك ويساوم»، «احنا كل الانطباع عندنا انه نوع من حرب الاعصاب والنرفزة للكويت».
ويضيف سموه انه عندما بلغه نبأ اختراق القوات العراقية الحدود الكويتية من قبل وزير الدفاع(الشيخ نواف)، اتجه الى غرفة العمليات، وظل الحاضرون في هذا الاجتماع يتابعون (عن طريق الاجهزة سير القوات العراقية. سرعة دخول القوات العراقية تعدت النقاط التي كنت انا اتوقع ان يتوقفوا عندها. وعندما وصلت قالوا ان القوات العراقية متجهة الى الجهراء. قلت ترى المكان هذا ساقط ننتقل الآن الى مقر الدفاع الجوي او نروح قصر الشعب).
ويرجع عدم توقع الغزو من قبل الحكومة في الكويت الى المعطيات التالية:
1- العلاقات الطيبة -كما كانت تراها السلطة التنفيذية- بين الكويت والعراق حتى1990/7/15م، ومن ابرز مظاهرها الحفاوة البالغة التي استقبل بها سمو امير البلاد عندما زار بغداد في شهر سبتمبر1989م حيث صدر مرسوم جمهوري في1989/9/23م بمنحه وسام الرافدين من الدرجة الأولى.
2- اعتقاد المسؤولين في الكويت ان العراق لن ينسى للكويت مواقفها معه طيلة الحرب العراقية الايرانية ودعمه الكامل للعراق ماديا وسياسيا واعلاميا واقتصاديا. فقد كانت الكويت تتبنى دائما مواقف ووجهات النظر العراقية وتدفع عنها. ولعل هذا الاعتقاد كان وراء زيارة سمو ولي العهد لبغداد في شهر مايو 1989م مؤملا حسم الخلافات الحدودية بين البلدين وهي الزيارة التي لم تسفر عن اي نتيجة ايجابية.
3- اعتقاد المسؤولين ان الوجود العسكري في جنوب العراق امر طبيعي في ذيول الحرب العراقية الايرانية التي توقفت في1988/8/8م، والشكوك القائمة بين البلدين، ولا سيما ان اكثر العمليات العسكرية بين العراق وايران كانت في جنوب العراق.
4- عدم تصور قيام العراق باجتياح الكويت في ظل العلاقات العراقية الكويتية قبل1990/7/15م وفي ظل المعادلات الدولية في المنطقة.
5- التأكيدات العربية بأن العراق لن يقوم بأي عمل عسكري ضد الكويت. ففي زيارة للسيد عبد الرحمن العوضي مبعوث سمو الامير الى اليمن قابل في 1990/7/22م الرئيس علي صالح الذي اتصل بصدام حسين (من غرفة مجاورة) وعاد واخبر السيد عبد الرحمن العوضي انه تحدث هاتفيا مع الرئيس صدام حسين الذي نفى وجود حشود عراقية او تحركات عسكرية غير عادية من جانب العراق على حدوده مع الكويت وانه (أي صدام حسين) يدعو الرئيس علي صالح الى الطيران على طول الحدود العراقية الكويتية ليتأكد بنفسه من عدم وجود اي حشود.
وفي 1990/7/24م حضر الى الكويت الرئيس حسني مبارك قادما من بغداد ليؤكد ما تعهد به صدام حسين من عدم استخدام القوة العسكرية. وفي 26/7/1990م حضر إلى الكويت السيد/ أسامة الباز مدير مكتب الرئيس المصري للشؤون السياسية قادما من بغداد ليؤكد المعنى ذاته. وفي 27/7/1990م وصل إلى الكويت الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، وكان قد سافر إلى بغداد بتكلييف من جلالة الملك فهد وقابل صدام حسين ثم حضر إلى الكويت ليؤكد للمسؤولين أنه حصل على تأكيدات من صدام حسين شخصيًا بأن التحركات العسكرية العراقية أمر عادي وأنه ليس للكويت أن تخشى شيئا، ونقل إلى الكويت طلب الملك فهد بألا تقدم الكويت على عمل فيه إستفزاز للعراق.
وللغرض ذاته حضر إلى الكويت في 28/7/1990م السيد ياسر عرفات. وفي 30/7/1990م حضر السيد الشاذلي القليبي الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى الكويت. وفي 30/7/1990م وصل الملك حسين قادمًا من بغداد. وقد ذكر سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء أمام اللجنة أن التطمينات السعودية والمصرية كانت تشير إلى أن ما يقوم به العراق هو مجرد مناورات على حدوده. وأكد الحديث التلفوني الذي أشار إليه الدكتور عبدالرحمن العوضي أن الرئيس علي صالح أخبره هاتفيا بأنه اتصل بصدام حسين الذي طمأنه بأنه لا يوجد شيء غير عادي.
6 – كما أن موافقة العراق على حضور اجتماع جدة – الذي كان بمبادرة وبعد اتصالات مباشرة مع جلالة الملك فهد – أضفى جوا من التفاؤل حيث اتفق على عقد الاجتماع الثاني في بغداد في وقت لاحق، يليه اجتماع ثالث في الكويت.
وعدم توقع الحكومة الكويتية لعمل مسلح من جانب العراق يصل إلى حد الاجتياح العسكري الشامل، دعاها إلى الاعتقاد بأنها أزمة سياسية طارئة، مثل أزمة الصامتة، لا تدعو إلى الكثير من القلق، ويمكن أن تعالج كسابقتها عن طريق الوساطات العربية، فاختارت الحل الدبلوماسي داخل البيت العربي:
1 – فأخطرت الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بالرسالة الجوابية لوزير الخارجية الكويتي ردا على مذكرة العراق إلى جامعة الدول العربية في 15/7/1990م، وطلبت توزيع تلك الرسالة كوثيقة من وثائق الأمم المتحدة ووجهت رسالة مماثلة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، ذلك كله دون أن تطلب إتخاذ أي إجراء.
2 – واقترحت لجنة عربية لحسم الخلافات بين العراق والكويت في ضوء الإتفاقات السابقة بينهما.
3 – واجتمع وكيل وزارة الخارجية الكويتي بسفراء جميع الدول لدى الكويت (وليس فقط الدول الأعضاء في مجلس الأمن) لإحاطتهم علما بفحوى المذكرة العراقية.
4 – وأوفد سمو الأمير ثلاثة مبعوثين للدول العربية لشرح موقف الكويت (ضاري العثمان إلى: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس/ عبدالرحمن العوضي إلى: مصر، الأردن، سوريا، السودان، الصومال، جيبوتي، اليمن/ الشيخ صباح الأحمد إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية).
5 – وفي اجتماع جدة اقترح سمو ولي العهد أن يذهب وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود ولفحص الإدعاءات العراقية حول تجاوزات الكويت لحدودها مع العراق.
كل ذلك مع تفادي أي إجراء أو عمل قد يفسر بأنه إستفزاز للعراق، حتى أن ممثلي المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية الذين حضروا إلى الكويت قبيل مغادرة سمو ولي العهد إلى اجتماع جدة، رغبوا في زيارة منطقة حقل الرميلة، ووافق وزيرا الإعلام والداخلية على ذلك، ورفضت وزارة الدفاع حتى لا يفسر تواجد الإعلاميين في منطقة الرتقة بجانب حقل الرميلة بأنه تصعيد للموقف وممارسات إستفزازية من الجانب الكويتي بحق الجانب العراقي.
فالحكومة الكويتية واجهت الأزمة من محاور أربعة:
1 – عدم توقع العمل العسكري، أو بالأقل عدم توقع الاجتياح الكامل للكويت.
2 – محاولة حل الأزمة بالطريق الدبلوماسي.
3 – عدم تدويل الأزمة خارج النطاق العربي.
4 – تجنب أي عمل استفزازي قد يعرقل الطريق الدبلوماسي.
وسارت الحكومة الكويتية في طريق العمل الدبلوماسي إلى آخر مداه، واستسلمت للتطمينات العربية، واستسلمت للنفي العراقي عن حقيقة نواياه من ذلك ما صرح به مصدر عراقي في 26/7/1990م، في رده على ما ذكر عن وجود حشود عراقية في منطقة البصرة والزبير، من أن العراق ما زال في حالة حرب مع إيران وأن ما أسمته أجهزة الإعلام الأجنبية لا يخرج عن كونه تحركات روتينية للفيلق السابع الذي تتركز قيادته في أم قصر منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية.
ثم كان اجتماع جدة في يومي الثلاثاء والأربعاء 31/7، 1/8/1990م وكان الوفد العراقي برئاسة عزة إبراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي، بينما كان الوفد الكويتي برئاسة سمو ولي العهد الشيخ سعد الله السالم، يرافق سموه عدد من الوزراء وعدد من المسؤولين بوزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل والنفط. أي أن الوفد الكويتي كان، على خلاف الوفد العراقي، وفدا سياسيا وفنيا في الوقت ذاته.
وذهب الشيخ سعد إلى هذا الاجتماع بنية صافية. وصرح عند وصوله إلى جدة: «إننا نتطلع بقلب مفتوح إلى لقاء أخي نائب رئيس مجلس الثورة العراقي، مؤكدًا حرص الكويت على المشاركة الإيجابية في هذا اللقاء الذي أعرب عن الأمل في أن يشكل الخطوط الأساسية نحو التوصل إلى حل نهائي وعادل لكافة المشكلات والقضايا المعلقة بين البلدين الشقيقين».
وفي الجلسة الإفتتاحية، وبعد كلمات المجاملة، اتضح أنه ليس لدى عزة إبراهيم أي جديد يقدمه سوى أنه قد حضر إلى الاجتماع استجابة لدعوة جلالة الملك فهد، وأن أي مناقشات يمكن أن تستكمل في بغداد. وتلت الجلسة الافتتاحية جلسة مغلقة اقتصرت على رئيسي الوفدين، ولم تسفر هذه الجلسة المغلقة عن أي نتائج. وألح سمو ولي العهد على عقد جلسة ثانية أو القيام بزيارة رئيس الوفد العراقي بجناحه الخاص، وتم ذلك فعلا.
غير أن رئيس الوفد العراقي تعلل بالمرض وعدم القدرة على مواصلة الاجتماع مرددا نفس ما سبق أن قاله من أنه إنما حضر إلى جدة إستجابة لدعوة جلالة الملك فهد. واقترح سمو ولي العهد أن يذهبا معا لتلبية دعوة العشاء الذي أقامه جلالة الملك فهد. وساد اللقاء الجانبي بحضور الملك فهد جوا طيبا، ولكن بلا شك كان بالأنفس الشيء الكثير مما لم تفصح عنه المظاهر الخارجية.
وفي أثناء ذلك رفض الجانب العراقي اقتراح سمو ولي العهد بأن ينتقل وزيرا داخلية البلدين لمعاينة الحدود على الطبيعة للتحقق من عدم وجود أي تجاوزات كويتية بإقامة مزارع أو منشآت عسكرية كما يدعى الجانب العراقي. وأصر على أن يكون الاجتماع بروتوكوليا يعقبه إجتماع في بغداد. كما اقترح عقد اجتماع يضم جلالة الملك فهد والرئيس حسني مبارك وصدام حسين دون ذكر لسمو أمير الكويت، وهو ما رفضه الجانب الكويتي رفضا قاطعا، كما رفض الجانب العراقي اقتراح وفد الكويت إصدار بيان مشترك بأن يتم اجتماع في بغداد يليه اجتماع في الكويت.
وفي صباح الأربعاء 1/8/1990م غادر موكب عزة إبراهيم جدة متوجها إلى المدينة المنورة دون أن يسمع رد الجانب الكويتي بالرفض القاطع للاجتماع الثلاثي المقترح والذي يغيب عنه صاحب القضية، وهو سمو أمير الكويت، وفي مساء اليوم ذاته عاد الوفد الكوييتي إلى الكويت.
(يراجع: «صفحات ما قبل العدوان»، ملاحظات من إعداد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية، ألقيت في ندوة المعلومات والأمن بوزارة الاعلام بتاريخ 4/8/1992م).
ويذكر سمو ولي العهد أنه – في جدة في مساء يوم الأربعاء 1/8/1990م، وأثناء توجهه بالسيارة للعشاء بناء على دعوة جلالة الملك فهد، قال لرئيس الوفد العراقي (عزت إبراهيم) وكان يرافقه في السيارة، أنه بعد الاجتماع الثاني في بغداد سيكون الاجتماع الثالث في الكويت. فأجابه عزت إبراهيم (ما أحد قال لنا نشوف القيادة). وأضاف سموه أنه بعد تناول العشاء اجتمع مع جلالة الملك فهد وسمو الأمير عبدالله على انفراد وأخبرهما أنه كل ما فهمه هو أن الوفد العراقي جاء إلى جدة (ليقول كلمتين وبس ).
في ليلة 2/8/1990م كان الغزو العراقي الآثم لأرض الكويت وعاصر اختيار البديل الدبلوماسي، استبعاد البديل العسكري تماما، محليا وخليجيا وعربيا ودوليا، فلم يستنفر الجيش، ولم يتخذ مواقف دفاعية، ولم يخرج من الثكنات، ولم تتم أى توعية جماهيرية لإحتمالات حرب وشيكة الوقوع.
وفي حديث للفريق المتقاعد/ جابر الخالد الذي كان رئيس الأركان العامة للجيش الكويتي لجريدة الوطن (العدد 6854 بتاريخ 12/3/1995م) ذكرأن: «كلمة إنهيار غير مقبولة بحق الجيش الكويتي، لأنه لم يكن في حالة إستعداد حتى يمكن أن تنطبق عليه أي درجة من درجات الإنكسار أو الإنهيار. فالقوات المسلحة لم تستلم أوامر القتال إلا في عشية الغزو في الثاني من أغسطس 1990م، وتحديدًا في الساعة 2.30 مساء (صباحًا).
وبإضافة الوقت اللازم للتعميم على الوحدات، وهو في حدود 30 دقيقة، كانت أوامر القتال الفعلية في متناول الوحدات العسكرية المختلفة في حدود الساعة الثالثة صباحا. ولذلك لا يمكن أن نقيس ما حدث لقواتنا بمصطلحات مثل الهزيمة والإنهيار. فهذه يمكن إطلاقها على قوات مسلحة اتخذت درجات استعدادها القتالي وقامت بالانفتاح لمواجهة العدو.. وكقيادة عسكرية أتحمل مسؤوليتي بما حدث في الثاني من أغسطس، ولكن هناك حدود للمسؤوليات.
ويقودنا الأمر بالضرورة للحديث عن القرار السياسي فيما حدث. ولست هنا في معرض الحديث عما كان يدور في أذهان القيادة السياسية في ذلك الوقت. ولكن لظروف إطلاعي على تطورات الموقف فإنني لا أستطيع أن أعزل تأثير تلك التطمينات التي وردت للقيادة السياسية من جهات مختلفة تجمعها بالكويت أوثق الأواصر، حيث أكدت جميعها عدم تطور الموقف إلى غزو، وتم الطلب من القيادة السياسية بعدم تحريك الموقف، وقدمت شبه ضمانات بعدم إحتمال الاعتداء العسكري على الكويت، وما حدث كان منطقيا بالنظر للخدعة السياسية التي مارسها النظام العراقي على جميع من توسطوا بالأزمة.
وذلك كله في الوقت الذي بلغ فيه حجم الحشود العراقية على الحدود الكويتية (في 30/7/1990م) 100 ألف مقاتل، 300 دبابة، 300 قطعة من المدفعية الثقيلة. وانبنى إستبعاد الخيار العسكري على المعطيات التالية:
1 – المواجهة العسكرية مع العراق لم تكن ممكنة، بالنظر إلى محدودية إمكانات الجيش الكويتي الذي لم يجاوز عشية الغزو ثمانية آلاف مقاتل، فالمواجهة كانت عملية إنتحارية لا جدوى منها. وقد ذكر سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء أنه من حسن الحظ أن القوات الكويتية لم تشتبك مع القوات العراقية. أن هذه الأخيرة بإمكانها تصفية جميع القوات المسلحة الكويتية والالتفات بعد ذلك إلى الكويت ذاتها.
2 – لم تكن هناك – في ذلك الوقت – أي إتفاقية أمنية بين الكويت وأي دولة أخرى، ذلك أن إتفاقية 19/6/1961م بين الكويت وبريطانيا قد ألغيت سنة 1971م، وكانت إتفاقية 19/61م تنص على أن: («ج» – عندما يكون ذلك مناسبا فإن الحكومتين ستتشاوران مع بعضهما في الأمور التي تهم البلدين. «د» – لا شيء في هذه النتائج سيؤثر على إستعداد حكومة صاحبة الجلالة في مساعدة حكومة الكويت إذا طلبت حكومة الكويت مثل هذه المساعدة).
3 – ولو أن الكويت إستعانت بقوات أجنبية، لما كان من الممكن جلب هذه القوات ووضعها في الموقع الملائم في الوقت المناسب بالنظر إلى ضخامة القوات العراقية التي كانت محتشدة على الحدود العراقية الكويتية.
4 – الأفكار التي كانت تعيشها الكويت آنذاك حكومة وشعبا (الأمة العربية، القومية العربية، عدم الإنحياز) والتي كانت تتعارض مع الإتجاه نحو السعي إلى طلب دعم عسكري خارجي، وبصورة خاصة الدعم العسكري غير العربي.
5 – الخشية من إستثارة النظام العراقي، والرغبة في عدم إعطائه الذريعة للقيام بأي عمل عسكري.
6 – الرغبة في إعطاء الفرصة للحل الدبلوماسي للأزمة، وفي الحفاظ على علاقات الكويت بالدول العربية الصديقة التي تساند هذا التحرك السلمي وتضغط على الكويت للقبول به، وبعبارة أخرى التخوف من أن تجد الكويت نفسها وقد انعزلت عن سائر الدول العربية والخليجية.
7 – عدم فعالية اتفاقية الدفاع العربي المشترك في نطاق جامعة الدول العربية، وضعف هذه الجامعة ذاتها وتراخي التعاون بين أعضائها، على خلاف الحال سنة 1961م أثناء أزمة عبدالكريم قاسم.
فقد جاء في أقوال الشيخ صباح الأحمد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية: «والله مالنا بد من هذا – أي الأسلوب العربي الدبلوماسي – ما في خيار لك أكثر من هذا…. يعني قد يكون كانت نياتنا حسنة، صحيح عندنا السلاح موجود، لكن سلاحنا كله في المراكز، ما طلعوه برة بناء على تعليمات الإخوان كلهم مصر والسعودية والأردن، أرجوكم أن لا تعملوا إستنفار بالجيش».
وأفاد السيد/ ضاري العثمان وزير العدل والشؤون القانونية آنذاك: «أنا أعتقد عدوان من هالنوع لا يمكن بأي حال من الأحوال من خلال فهمي المحدود بطبيعة الأعمال العسكرية بأن يواجه من قبل الكويت والقوات المسلحة الكويتية وحتى السعودية، يعني القوة العراقية لا يمكن مجابهتها من قبل الكويت ولا حتى من قبل المملكة العربية السعودية…. إننا نحن مهما حاولنا نجهز قواتنا فراح تكون النتيجة بالنسبة للكويت مكلفة وباهظة وقاسية جدا..
لو هيئت القوات الكويتية لتتوقع هجوما محتملا من العراق آخذا بالإعتبار الوضع الجغرافي للعراق والكثافة السكانية لها والوضع الجغرافي للكويت والكثافة السكانية لها، لما كان هناك صمود أكثر من خمسة أيام هذا في حالة إذا كانت الجاهزية الكويتية عالية.. أنا شخصيا بالرغم من أنني كنت من أكثر المتشائمين وممن كانوا يتوقعون أن العراق سيتجاوز الحد المألوف بالنزاعات الحدودية بس مع ذلك لو قالوا لي والله تتخذ قرارا بإستدعاء القوات الأمريكية، أنا سأقول لا، لأنه مو معقول أن كل هذا التراث من العلاقات سينسف بين ليلة وضحاها، ويقدم العراق على ما أقدم عليه الخيار العسكري ما كان واردا إطلاقا كان الخيار الوحيد في ذلك هو الخيار السياسي والخيار السياسي ضمن جامعة الدول العربية».
وأفاد السيد/ عبدالرحمن العوضي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك: «يا معود، خلو الموضوع لا تصعدونه، حتى جيشنا المسكين كان محكورا في معسكرات حتى ما أعطي فرصة إنه يكون في حالة هجوم، وجيشنا أعطى إجازة… لأن القرار كان سياسيا ولم يكن قرارا عسكريا… القرار السياسي كان رافضا مبدأ الحرب، مو قابل أن الحرب واقع».
وأفاد السيد/ سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية: «في وزارة الخارجية لم يطرأ حديث عن الإستعانة على الأجنبي، وكان التركيز على الإستعانة بالجامعة العربية، وكان أسبق من هذا الرأي هو حل هذا الإشكال حل سياسي.. أنا في تصوري أن لو الكويت بادرت وطلبت من فرنسا والصين وغيرها بهذه القوات لكان مبرر واضح للعراق بأن والله جابوا لنا إستعمار.. يعني الحكومة لو أقدمت على هذا العمل لخلق إنشقاق كبير ليس داخل المجتمع الكويتي، لكن حتى ضمن أوساطك الخليجية والعربية…
إنت نفسك كدولة لا يمكن أبدا بأي شكل من الأشكال أن تمتلك قوة رادعة للعراق، لأن ذلك الوقت مليون تحت السلاح ونصف مليون مستعدين للقتال، جيشك في ذلك الوقت وكما يؤكد لي ليلة صباح الخميس اللواء الصانع أن ما يتجاوز 7، 8 آلاف». وبهذا المعنى أيضا أفاد أمام اللجنة كل من السيد/ عبدالرحمن سالم العتيقي مستشار سمو الأمير والسيد/ عبدالله يوسف الغنيم وزير التربية آنذاك.
فاستبعاد الخيار العسكري كان إذن قرارا سياسيا.
«كلنا مخطئون، مافي أحد بريء» – هكذا قال السيد/ ضاري العثمان أمام اللجنة: «إذا أردنا أن نمارس التقييم الأمين والموضوعي والتاريخي والمجرد، فعلينا أن لا نبدأ بــ 2/8 حيث كنا حلقة من حلقات مسلسل مرعب بدأ من وقت ما تسلم صدام حسين السلطة بدأ من وقت ما كنا نروج أشرطة صدام حسين لما كان يقوم هذيله ويعدمهم، وكنا إحنا نستانس،
هذي الحقيقة. فلذلك لما تجيب مسؤول سنة 1990م لا تنسى أنه تربى 12 سنة أو أكثر أو أقل في ظل المدرسة الأخلاقية التي أوجدها صدام حسين بالمنطقة، هذه الحقيقة». ويبدو ان الحكومة الاميركية قد عرضت على الكويت المساعدة العسكرية، وهو ما افاد به سعود الصباح سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الاميركية آنذاك، فقد جاء بأقواله ما يلي:
«كنت على اتصال دائم مع وزارة الخارجية الاميركية، مع الاستخبارات الاميركية، مع البيت الأبيض، ومع وزارة الدفاع حول هذه الامور، وأقولها بكل امانة بأن جميع هذه الاجهزة كانوا يطلعوني اولا بأول بكل ما يحدث من تصعيد ومن حشود عراقية على الحدود التي تلت تقديم هذه المذكرة، وكنت على اتصال دائم مع حكومتي في هذا الموضوع».
«وكانوا الاميركان على استعداد وعرضوا علينا كما عرضوا على الامارات، لو تذكرون بأن التهديد كان موجه ضدنا وضد الامارات. بأن قوات 87 جاهزة للانتقال للكويت. طبعا تقييم الاخوان والمسؤولين في الكويت بأن هذا الموضوع فيه نوع من المخاطرة السياسية، لإننا لا نستطيع ان نستدعي قوات اميركية في هذه الظروف لوجود تأكيدات عربية، وفيه رأي عام كويتي، هذا الامر يحتاج الى نوع من التريث ومزيد من التشاور».
«إحنا – اي الاميركان – كأصدقاء وحلفاء لكم مستعدين بإرسال قوات الى الكويت فورا».
«لكن احب ان اؤكد شيئا واحدا ان الاميركان عرضوا علينا ارسال قوات، ولكن احنا بالظروف اللي كنا فيها يمكن ما كنا نستطيع ان نقبل فيها».
«أنا – اي مساعد وزير الدفاع لشؤون التخطيط بول ولفوبش – ليس سياسي، انا مخطط عسكري، واحنا نشوف الوضع العسكري القائم على الخريطة أمامنا، الوضع العسكري لا يبشر بخير، ولذلك يجب ان تتخذوا التدابير اللازمة عربيا او اذا اردتم نحن حاضرون».
ويضيف سعود الصباح ان دولة الامارات العربية المتحدة قبلت ارسال قوات اليها، وان تكن رمزية، ويبدو ان ذلك صحيحا:
ففي 25/7/1990م اعلن البيت الابيض ان الولايات المتحدة ارسلت طائرتين قادرتين على تزويد الوقود جوا (طائرتي صهاريج» الى الامارات. وفي 31/7/1990م اثناء جلسة استماع اللجنة الفرعية لأوروبا والشرق الاوسط التابعة للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي، قال جون كيلي (وزير الخارجية المساعد لشؤون الشرق الادنى وجنوب آسيا): «يجري حاليا في الخليج تدريبات على اعادة التزود بالوقود جوا مع دولة الامارات العربية ويتضمن ذلك استخدام ناقلات 135. kc وطائرتي شحن 141- c مزودة بمعدات للصيانة، وقد جاءت تلك التدريبات بعد مناقشات بين الحكومتين ترمي كذلك للتأكيد على اننا نملك القدرة على العمل الفعال مع اصدقائنا في المنطقة.
وفي 1/8/1990م نشرت جريدة الواشنطن بوست الأميركية ان جون كيلي اضاف ان الولايات المتحدة مستمرة في تدريباتها الجوية المشتركة مع الامارات. وقد نفى كل من الشيخ صباح الاحمد وزير الخارجية، وسليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية وجود مثل هذا العرض الاميركي، واضافا انه ليس من المستبعد ان يكون سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية (الشيخ سعود الصباح) قد نقل هذا العرض الى مستويات اعلى بالنظر الى اهميته.
فقد افاد الشيخ صباح الاحمد: «لم يقدم عرض اميركي في هذا الموضوع حتى نرفضه… لم يعرض علينا هذا الموضوع ولا اذكره في حياتي ان عرضوا علينا الموضوع.. لكن لسؤالك لم يطلب الاميركان فرقة ونحن قلنا لا… يمكن اشياء تتصل بين السفير وسمو ولي العهد وأنا مشغول في زحمة العمل يمكن ما يكون لي علم في الموضوع هذا».
وأفاد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية: «من جانبنا لم يحدث رسميا حسب علمي كوزارة الخارجية بأن نقترب من الأميركان او أي دول اخرى… لم يطرأ حديث على الاستعانة على الاجنبي وكان التركيز على الاستعانة بالجامعة العربية، لم يكن هناك على الاقل بوزارة الخارجية ما يشير الى مثل هذه الاتصالات بشأن اجراء ترتيبات مع الولايات المتحدة»، وعند سؤاله: (ما وصلكم طلب من اميركا، من السفير، عرض)، اجاب: «من زاويتي ولم اسمع ايضا حتى على مستوى اكبر او من خلال وزارة الدفاع، لم تتوفر لي اي معلومة… لم يكن هناك اي عرض حول الموضوع… لم يكن هناك اي تفكير او عرض من الولايات المتحدة او الدول الكبرى لتدخل في هذا الشأن».
ثالثا – ذرائع الغزو العراقي والرد عليها:
يجب ان نفرق بين الاسباب الكامنةالتي دفعت بالنظام العراقي الى غزو الكويت في2/8/1990م، وبين التبريرات او الذرائع التي قدمها للعالم الخارجي، العربي والاجنبي، لمحاولة تبرير فعلته الشنعاء. والأسباب الحقيقية التي تكمن وراء الغزو العراقي الغاشم كثيرة، منها الاوضاع الاقتصادية المتردية داخل العراق على اثر الحرب العراقية الايرانية، وتعذر ادماج القوة العسكرية البشرية في المجتمع المدني بسبب طبيعة نظام الحكام في العراق وهو حكم شمولي يعتمد اساسا على القوة العسكرية.
اما ذرائع العراق او تبريراته للغزو الغاشم، فيمكن تلخيصها في ادعائين:
1- تجاوز الكويت لحقوقها في حقل الرميلة / الرتقة.
2- دور الكويت في انخفاض اسعار النفط.
أ- حقل الرميلة / الرتقة:
ورد في مذكرة وزير خارجية العراق المؤرخة 15/7/1990م والموجهة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية ان الكويت «نصبت منذ عام 1980م منشآت نفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي، وصارت تسحب النفط منه، ويتضح من ذلك انها كانت تغرق السوق العالمي بالنفط الذي كان جزءا منه هو النفط الذي تسرقه من حقل الرميلة فقط بين 1980 – 1990، 2400 مليون دولار».
ورد وزير الخارجية الكويتي بأنه: «لا بد من التأكيد بأن هذا الجزء من الحقل يقع ضمن الاراضي الكويتية، وعليه قامت الكويت باستخراج النفط من آبار تقع ضمن اراضيها جنوب خط الجامعة العربية وعلى مسافة كافية من الحدود الدولية وفقا للمقاييس العالمية». وتفصيل ذلك ان الله سبحانه وتعالى عندما وزع الثروات الطبيعية على البسيطة (سواء كانت انهاراً ام بحيرات ام حقول نفط) لم يوزعها على اساس الحدود السياسية، الموجودة اليوم، او الحدود السياسية التي كانت موجودة بالسابق، او الحدود السياسية التي سوف توجد في المستقبل، فالأنهار تجري في اكثر من بلد، والبحيرات تشارك فيها اكثر من دولة، وليس بمستغرب، بالنسبة الى الحقول النفطية، ان يمتد الحقل ويغطي اكثر من بلد.
وحقل الرميلة الرتقة مثال على تلك، فهو حقل مشترك بين الكويت والعراق، ويسمى في الجانب العراقي حقل الرميلة، ويسمى في الجانب الكويتي حقل الرتقة، وعندما يمتد حقل بين اكثر من دولة، فالأسلوب المتبع عادة في استغلال الحقل، هو ان تبعد كل دولة عن الحدود بمسافة كيلو متر، وتحفر كما يحلو لها.
وقد بدأت الكويت عمليات الاستكشاف في حقل الرتقة الواقع في اراضيها في سنة 1967م، ثم توقف الحفر اثر احتجاج العراق، ودرءا للاحتكاك والخلاف بين الدولتين. ثم لاحظت الكويت في 1977م ان العراق بدأ في الحفر في حقل الرميلة متجها تدريجيا نحو الحدود الكويتية الى ان بلغها وتجاوزها بمسافة تزيد على الكيلو متر. وعلى اثر ذلك اتخذ مجلس الوزراء قرارا في سنة 1977م ببدء الحفر في حقل الرتقة الكويتي، وذلك حتى لا يستنزف الحقل من قبل الجانب العراقي، ولوضع حد لتجاوزات العراق وحتى لا يتجه اكثر فأكثر نحو الجنوب داخل الاراضي الكويتية.
وبدأ الانتاج في نهاية سنة 1977م وبداية سنة 1978م، ومجموع الآبار التي حفرتها الكويت ثمانية آبار (بالمقابل لمئات الآبار في الجانب العراقي)، وهي تبعد مسافة من 2 الى 2.5 كيلو متر داخل الحدود السياسية المعترف بها في اتفاق سنة 1963م. وكان انتاجها في البداية في حدود 20 الف برميل يوميا، ثم انخفض الى معدل 11 الى 12 الف برميل يوميا، وهي كميات قليلة جداً كانت تستخرجها الكويت من باب اثبات الحق، فضلا عن ان النفط المستخرج من حقل الرتقة رديء النوع (ثقيل وكمية الكبريت فيه مرتفعة).
وكان العراق يعرف كل ذلك ولم يحتج عليه، ولما تم ترسيم الحدود ظهر ان جميع الآبار التي حفرتها الكويت تدخل ضمن الأراضي الكويتية، بل دخلت ضمنها ايضا بعض الآبار العراقية رغم انها تقع شمال الآبار الكويتية بمسافة من 1.5 الى 2 كيلو متر. ويلاحظ كذلك ان حقل الرميلة جزؤه الاكبر يقع في العراق، وجزء بسيط منه يقع داخل الحدود الكويتية (الرتقة)، وميلان الأرض تجاه الكويت لا يساعدها على زيادة الانتاج لأن النفط في هذا الحقل (الرميلة / الرتقة) لا يوجد بصورة سائلة ولكن في مسام التربة، لذلك كانت كمية الضخ من الجانب العراقي اكثر من مائة ضعف بالنسبة الى كمية الضخ من الجانب الكويتي.
(من اقوال علي الخليفة ورشيد العميري امام اللجنة)
بل ان البعض يرى ان حقل الرميلة يختلف تماما عن حقل الرتقة، وهو ما اكده الجيولوجيون في دراسات مختلفة، كما ان نوع البترول المستخرج من الرتقة يختلف عن نوع البترول المستخرج من حقل الرميلة (تعقيب الدكتور عبدالله محارب على ورقة الدكتور عبدالمالك التميمي – العلاقات الكويتية العراقية 1921م – 1990م – دراسة تاريخية – عالم المعرفة – العدد 195 – ص79).
ب- اسعار النفط:
كان من بين ما ورد في مذكرة وزير خارجية العراق الى الأمين العام لجامعة الدول العربية، والمؤرخة 15/7/1990م ان حكومتي كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة نفذ «عملية مدبرة لاغراق سوق النفط بمزيد من الانتاج خارج حصتهما المقررة في الأوبك… وقد ادت هذه السياسة المدبرة الى تدهور اسعار النفط تدهورا خطيرا… ادت تصرفات حكومتي الكويت والإمارات الى انهيار سعر الحد الادنى المتواضع الذي تم الاتفاق عليه في الاوبك اخيرا وهو 18 دولارا للبرميل الى ما بين 11-12 دولارا للبرميل… مما يعني خسارة العراق لعدة مليارات من دخله لهذه السنة (1990م).. ان من تعمد هذه السياسة بصورة مباشرة ومكشوفة او من آزرها او دافع عنها، انما ينفذ جزءا من المخطط الامبريالي الصهيوني ضد العراق والأمة العربية».
واتهام العراق للكويت بالعمل على تدهور اسعار النفط لم يكن وليد هذه المذكرة. فقد ذكر رشيد العميري وزير النفط الكويتي آنذاك انه في 10/11/1990م عقد اجتماع في جدة حضره وزراء النفط في العراق والمملكة العربية السعودية والامارات وقطر، وفوجئ الوزير الكويتي بهجوم من قبل نظيره العراقي الذي قال: «انا قاعد اتكلم عن سياسة الكويت النفطية خلال 12 سنة الماضية، هذه السياسة هي التي دمرت السوق النفطية، وان الكويت لم تلتزم خلال الفترة هذه بحصتها، وأنا اعتقد ان هذه هي مؤامرة ضد العراق… ان العراق لن تقف مكتوفة الأيدي امام هذه المؤامرة».
والحقيقة في هذا الموضوع ما يلي:
1- ان الكويت كانت دائما تضحي في سبيل استقرار اسعار النفط، ففي اجتماع اوبك في 2-3/5/1990م تم تخفيض سقف اوبك بمقدار 445 الف برميل للعمل على استقرار السوق النفطية. وقد تحملت الكويت والسعودية والامارات 75&<642; تقريبا من اجمالي هذا التخفيض. وقبلت الكويت ذلك مع وعد باستعادة حصتها عندما يستقر السوق وترتفع الاسعار.
2- في 24/6/1990م زار الكويت صادق بوسني وزير النفط الجزائري رئيس منظمة الاوبك انذاك (وكان مقررا عقد اجتماع في الجزائر في 4/7/1990م يضم وزراء النفط في الكويت وأندونيسيا والجزائر للنظر في امكانية زيادة حصة الكويت)، وطلب وزير النفط الجزائري من نظيره الكويتي (رشيد العميري) ارجاء طلب الكويت استعادة حصتها وعدم اثارة هذا الموضوع في اجتماع الجزائر المزمع عقده، واستجابت الكويت لهذا الطلب من اجل استقرار السوق وبهدف رفع اسعار النفط.
3- ان عشر دول من دول الاوبك لم تكن ملتزمة بحصتها وثلاث دول فقط من دول المنظمة كانت ملتزمة بحصتها، وهي الجزائر والإكوادور واندونيسيا. ولم يكن ذلك إلا لأنها لا تملك طاقة انتاجية اكبر، اي ان الالتزام بالنسبة لها كان قهريا.
4- ان سبب اصرار العراق على رفع الاسعار انه كان قد وصل الى طاقته الانتاجية القصوى، وما دام انه لا يستطيع زيادة الانتاج، فالحل الوحيد امامه لزيادة موارده هو ان يرتفع سعر النفط. وهو ما دفع العراق الى ان يطلب في اجتماع اوبك في جنيف في25/7/1990م العمل على رفع سعر سلة اوبك الى 25 دولارا للبرميل الواحد (وهو السعر الذي كان يكفل للعراق تغطية فوائد ديونه الخارجية التي بلغت 7 بلايين دولار سنويا)، وكان السعر انذاك حوالي 15-16 دولارا للبرميل. والوسيلة غير المباشرة التي كان يلجأ اليها العراق لرفع السعر هو الضغط على الدول الاخرى الاعضاء في منظمة الاوبك لخفض انتاجها.
5- في فترة التسعينات كانت تجاوزات العراق لحصته تزيد اكثر من مرتين على اي تجاوزات كويتية. كانت حصة العراق في السوق اكبر مما يستحق، وكان ينتج اكثر من طاقته الانتاجية الحقيقية، بل كان يبيع المخزون في التنكات (الذي يبلغ 20 الى 30 مليون برميل) وبأي اسعار، وكان ذلك منه امرا طبيعيا لمواجهة نفقاته الاستثنائية في ذلك الوقت.
(من اقوال علي الخليفة، رشيد العميري امام اللجنة)
الوضع الكويتي الداخلي قبيل الغزو:
أ- الاختراق الاعلامي:
افاد يوسف السميط مدير عام وكالة الانباء الكويتية (كونا) بأنه: «وللأسف كان هناك اختراق لكثير من الموسسات الاعلامية ومكاتب الوكالة من قبل تنظيمات عراقية وأردنية، والاحكام الجنائية التي صدرت بحق مراسلينا في بعض المكاتب توضح ذلك». وأفاد حمد الرومي وكيل وزارة الاعلام آنذاك: «وللأسف كان الاعلام العراقي مسيطرا سيطرة تامة على معظم الصحف المحلية لدرجة ان الملحق الاعلامي بالسفارة العراقية بالكويت حامد الملا كان يداوم في بعض الصحف يوميا، وكانت بعض المقالات ترسل من وزير الاعلام العراقي، وللأسف تتصدر الصفحات الاولى لبعض الصحف المحلية، وكان يقدم هدايا مغرية، وسبق ان نبهنا وزارة الخارجية لنشاطه اكثر من مرة، وكان الرد يأتي بتهدئة الاوضاع».
ويقول السيد سليمان ماجد الشاهين وكيل وزارة الخارجية: «ألا يمكن للصحافة التي ارتهنت تقريبا كلها للإعلام العراقي من خلال رشاوى ومن خلال شراء صحف وتوزيع وكل الوسائل… اذكر قبل الاجتياح طلبت من السفير العراقي لأن جاؤونا مجموعة من الاخوان الادباء وقالوا لنا مايمر ست اسابيع او شهر الا دعينا الى مؤتمر في العراق، ووصلنا الى حد والله قاعدين يزالون علينا ضغوط، اذا تعذر علينا حضورنا اتهمونا بالعمالة الى ايران، والتالي جاؤوا وبلغوا الشيخ صباح هذا الموضوع».
ويظهر من ذلك:
1- كان هناك اختراق لكثير من المؤسسات الاعلامية ومكاتب وكالة الانباء الكويتية (كونا) من قبل تنظيمات عراقية وأردنية، رغم سلامة واخلاص اصحاب ومديري هذه المؤسسات.
2- كان الاعلام الكويتي يكيل المديح للعراق ويحول اخطاءه الى انتصارات وايجابيات في المواقف الداخلية والخارجية.
الاختراق الأمني
كان العراق يعرف كل شيء عن الكويت وعن تحركاتها وتصرفاتها وذلك عن طريق عناصر تعمل داخل الكويت تحت علم السفارة العراقية وبصفتها الدبلوماسية وساعد في ذلك أنه في فترة الحرب العراقية الايرانية اعطت الكويت العراق تسهيلات ارضية (في الشعيبة والأحمدي) لاستقبال السلاح لدعم الجبهة العراقية. واستمرت هذه التسهيلات بعد توقف الحرب. فاستغل العراق هذه التسهيلات لادخال عناصر الى الكويت دون المرور بسفارة او قنصلية الكويت لدى العراق، وهذه العناصر كانت استخباراتية وليس عسكرية، وكانت في صورة مجموعات تتغير على فترات لتحل مجموعة جديدة محل المجموعة السابقة، وسكتت الكويت على ذلك ولم تعترض.
ولعل اوضح مثال للاختراق الامني ما ذكره السيد رشيد العميري وزيرالنفط السابق من انه عقد اجتماعا سريا مع هشام ناظر وزير النفط السعودي في فندق ريجنسي بالكويت بتاريخ1990/6/28م. وبعد انتهاء الاجتماع غادر هشام ناظر متوجها الى بغداد، فوجد ان المسؤولين العراقيين لديهم جميع تفصيلات هذا الاجتماع السري:
«هذا الاجتماع كان غير معلن وسري ولم تتناوله وكالات الانباء والصحافة، وقعد معاي حوالي6 ساعات وسافر الى بغداد. بعد الغزو وخلال وجودنا في السعودية رحت بزيارة ودية لهشام ناظر في البيت، وقال لي دكتور الحقيقة انا عندي تساؤل، قلت اتفضل، قال تذكر اجتماعنا في الكويت(ريجنسي)، العجيب عندما ذهبت الى بغداد واذا بجميع تفاصيل الاتفاق بيني وبينك كانت موجودة عند وزير النفط العراقي، كيف وصلت المعلومات هذه….
بس نحن الحقيقة كنا مخترقين، بأن تفاصيل الاجتماع هذا وصلت، اشلون وصلت ما استطيع ان اجاوب عليه…. كل تفاصيل آبارنا وانتاجها ووضعها كانت معلومة لدى العراقيين من خلال الموظفين سواء كانوا من العراقيين او الفلسطينيين او من الناس المتعاونين مع النظام العراقي، كانوا ينقلون لهم اول بأول، فنحن كنا مخترقين».
ويضيف السيد ابراهيم البحوه سفير الكويت لدى العراق آنذاك: «انهم (أي العراقيين) يعرفون كل دبيب حركة من حركاتنا ومن اتصالاتنا، العناصر التي كانت تعمل في الكويت تحت علم السفارة وبحكم انها دبلوماسية كانت عناصر امنية…. كانت العناصر التي تعمل في الجانب العراقي تدخل (الكويت) مباشرة دون المرور على السفارة الكويتية او القنصلية لأخذ الفيز، الاستخبارات العسكرية (العراقية) تبعث مندوب بقائمة تقول ان هؤلاء سوف يحلون محل المجموعة التي كانت في الشهر الماضي، طبعا رتب وأسماء لا نعرف هل هم حقا ما يقولون…
وفوجئت بأن المذكرات تأتي لي من الاستخبارات العسكرية العراقية، ولا يفترض بالدبلوماسية ان تتعامل مع الجانب العسكري… فطلبت الخارجية العراقية وقلت لهم ان هذا الشيء لابد ان ينظم بالاسلوب والعرف المتبع، فقال لي ماذا تريد، فقلت اريد ان تأتي مذكرات الفيز عن طريق وزارة الخارجية، ظل يماطل الى فترة، ثم قالوا لي هذا اتفاق بيننا قبل ان تتولى انت هذه المهمة، والاتفاق قائم في ظروف الحرب وسوف يستمر، واعتقد ان وجهة النظر الكويتية كانت مطابقة لهذا الرد واستمر هذا الشيء».
ج- الأوضاع السياسية في الكويت في1990/8/2م:
بتاريخ3 يوليو1986م صدر امر اميري بحل مجلس الامة مع تعطيل بعض مواد الدستور، ومن بينها المادة 107 التي توجب اجراء الانتخابات العامة للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل. ومنذ هذا التاريخ باشرت الحكومة الوظيفتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد، وكانت تصدر القوانين بمراسيم أميرية، وقد تقبل الشعب الكويتي على مضض هذه المرحلة الجديدة التي تتنافى مع تقاليده الاصيلة في حكم الشورى، ولا سيما ان حل مجلس الامة اقترن بفرض الرقابة المسبقة على جميع الصحف،
وبصلاحية الحكومة في تعطيل الصحف بالطريق الاداري اي بقرارات من مجلس الوزراء او وزير الاعلام، وهكذا اختفى الرأى الآخر، وضاع اسلوب الحوار، وحرم الشعب الكويتي من اي وسيلة لمراقبة السلطة التنفيذية او متابعتها او مساءلتها، حتى بالكلمة المكتوبة، بعد ان سيطرت الحكومة على كل وسائل التوجيه والاعلام المرئية والمكتوبة والمقروءة.
غير انه سرعان ما بدأ الوعي السياسي في النهوض من خلال الدواوين التي اشتهرت بها الكويت وانفردت بها كظاهرة اجتماعية. فكانت هي امكنة التحاور والتشاور وتبادل الرأي بين المواطنين، ثم ظهرت البيانات السياسية للمطالبة بعودة الحياة الدستورية، وبدأت الاجتماعات التي عرفت بدواوين الاثنين، في اواخر سنة1989 واوائل سنة1990 تطالب باعادة العمل بالدستور وعودة مجلس الامة.
وفي22 ابريل 1990م صدرامر اميري بانشاء المجلس الوطني، وهو مجلس استشاري يتكون من خمسين عضوا منتخبا وخمسة وعشرين عضوا تعينهم الحكومة. وصحب ذلك كم من الصراعات والاعتقالات، مما دعا القيادة العراقية الى الاعتقاد بانشطار الجبهة الداخلية، وان المعارضة الكويتية سوف تحسن استقبال القوات الغازية، ولعل هذا هو ما اوحى للقيادة العراقية ان تعلن في ايام الاجتياح الاولى انه قد كانت هناك ثورة شعبية في الكويت وان هذه الثورة قد طلبت الدعم من العراق.
وفات النظام العراقي ان الشعب الكويتي يتمسك دائما بثوابت لا يحيد عنها، واهم هذه الثوابت استقلال الدولة وشرعية الاسرة الحاكمة، ورغم الأزمات التي مرت بها الكويت منذ نشأتها ككيان سياسي في منتصف القرن الثامن عشر، ورغم أوجه الاختلاف في الرأي الذي صاحب مسيرتها، وبصورة خاصة مع بداية القرن العشرين،
لم يحدث ان كانت شرعية الأسرة الحاكمة محل نقاش او خلاف، وقد اكد ذلك الغزو العراقي الآثم حيث التف الشعب الكويتي حول قيادته واصدر ممثلوه بيان مؤتمر جدة الشهير في 15 اكتوبر1990م الذي جاء به: «نعلن للعالم اجمع تمسكنا بنظام الحكم الذي اختاره شعبنا منذ نشأته وارتضته اجياله المتعاقبة، وتؤكد وقوف الشعب الكويتي كله، رجالا ونساء وشيوخا وشبابا واطفالا، صفا واحدا خلف قيادتنا الشرعية ممثلة في اميرنا الشيخ جابر الاحمد الصباح وولي عهده الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح حفظهما الله».
ولا ترى اللجنة رأي سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء انه مما شجع النظام العراقي على غزو الكويت زيارة بعض المواطنين لبغداد قبل1990/7/17. فبفرض ان النظام العراقي قد قرأ هذه الزيارات قراءة خاطئة، فان موقف جميع المواطنين بعد 1990/7/17 كان كفيلا بانقشاع الغشاوة عن بصره وبصيرته، فضلا عن ان الحكومة وسفارة الكويت لدى بغداد كانتا على علم كامل بهذه الزيارات، بل وشاركت فيها.
خامسا-الأوضاع الاقتصادية والعسكرية في العراق عشية1990/8/2م هل كانت تنبىء بالغزو العراقي:
خرج العراق من حربه مع ايران كأقوى قوة عسكرية في المنطقة: 55 فرقة- مليون جندي- 500 طائرة- 550 دبابة، ولكنه كذلك خرج من الحرب وهو في وضع اقتصادي بالغ السوء. فقد اوردت وكالة رويتر ان خسائر العراق من الحرب العراقية الايرانية:
خسائر الأسلحة والذخائر 100 بليون دولار
الخراب في البنية التحتية والمباني 35 بليون دولار
خسائر في العائدات النفطية 15 بليون دولار
وعندما قامت الحرب كان لدى العراق من المدخرات ما يقارب30 بليون دولار. وعندما انتهت الحرب تبخرت المدخرات وأصبح مدينا بما يقارب100 مليون دولار، تبلغ فوائدها السنوية7 بلايين دولار، وهي قروض من الدول العربية(معظمها لحساب السعودية والكويت)، والدول الأجنبية غير العربية ومؤسسات المال الدولية.
وتخيل العراق ان غزو واحتلال الكويت هو البديل الواقعي لأزمته الاقتصادية. ذلك ان الكويت تملك موارد نفطية كبيرة يمكن ان تعزز مداخيل النفط العراقية. كما ان امتلاك الكويت لأصول خارجية مهمة مدرة للعائد لابد وان يساهم في تعزيز دخل العملات الصعبة. وتلك الأصول يمكن أيضا تسييلها او رهنها لمواجهة التزامات الديون الخارجية القديمة او الجديدة.
لذلك تحدث سعدون حمادي اثناء احتلال الكويت وذكر ان العراق سيتمكن من ضخ ستة ملايين برميل من النفط وجني ثمار ذلك من اموال تمكن العراق من مواجهة التزاماته في اعادة اعمار المنشآت والمدن.
وفي شهر ابريل1990م تلقت الكويت رسالة مطولة من صدام حسين يطلب فيها قرضا بقيمة10 بليون دولار لسد العجز في السنة المالية القائمة، كما حضر الى الكويت لهذا الغرض سعدون حمادي. وكان رد سمو الأمير ان هذا الأمر فوق طاقة الكويت ودعاه لبحث هذا الموضوع من خلال وزيري مالية البلدين، كما طالب سعدون حمادي باسقاط ديون الكويت لدى العراق، وكان رد الكويت على ذلك ان اسقاط هذه الديون من شأنه ان يضر بالعراق ذاته لأن الدول الأخرى سوف تطالبه عندئذ بديونها قبله.
ولم يتم اسقاط تلك الديون. وكلف سمو الأمير مستشاره عبد الرحمن سالم العتيقي بنقل رسالة مكتوبة بهذا المعنى الى صدام حسين قوبلت كما هو متوقع بتجهم شديد من قبله، ويضيف عبد الرحمن العتيقي ان صدام حسين «كان منفعلا جدا ولأول مرة يكون في حالة انفعال تحس ان واحدا في شيء في داخله يريد يتفجر لكن غير قادر عن الافصاح عنه». وعندما اقترح عبد الرحمن العتيقي طرح الموضوع على دول مجلس التعاون الخليجية، كان جواب صدام حسين«لا يابه، احنا ما نريد هيجي، اذا كان على اخواننا دول الخليج احنا نعرف شلون نتصل، احنا ما نريد هيجي».
ويمكن اجمال مطالب العراق -كما عرضتها جريدة الواشنطن بوست الأمريكية بعددها بتاريخ1990/7/31م فيما يلي:
10 بلايين دولار كمساعدة.
2.4 بليون دولار تعويضا عن النفط المسروق (زعما).
إلغاء ديون الحرب التي تقدر بحوالي 10 بليون دولار.
تخلي الكويت عن حقل الرتقة
ابرام عقد ايجار طويل المدى يسمح للعراق بالسيطرة على جزيرة بوبيان. وهناك معادلة صحيحة دائما من خلال دراسة تاريخ الدول والمجتمعات القديمة منها والحديثة. هذه المعادلة ترى ان هناك علاقة طردية بين عسكرة المجتمع والمغامرات الخارجية التي تقوم بها السلطة في ذلك المجتمع تحت مختلف التبريرات والأقنعة الايديولوجية.
فالأوضاع العسكرية في العراق المتمثلة في جيش ضخم خرج لتوه من حرب ضروس ويتعذر ادماجه في المجتمع المدني في ظل نظام الحكم القائم في العراق، والاوضاع الاقتصادية المتدهورة، كانت تنبىء بأن العراق سوف يقدم على مغامرة عسكرية جديدة، وهذه المغامرة العسكرية لن تكون بطبيعة الحال موجهة ضد ايران التي خرج العراق لتوه من الحرب منها.
لقد كانت هناك احداث ومؤشرات تدل على ان شيئا كارثيا كان لابد ان يحدث من اجل اخراج العراق من وضعه الاقتصادي اليائس والذي يقف حجر عثرة في طريق هيمنة القوة العراقية كأقوى قوة في المنطقة بعد حرب الخليج الاولى. أضف الى ذلك شخصية صدام حسين نفسه التي تتميز بالايمان بالعنف كوسيلة لتحقيق الاهداف، سواء تحدثنا عن مرحلة المعارضة او مرحلة الحكم، وسواء تحدثنا عن العلاقة مع الرفاق او المعارضة او الجيران.
(راجع: الدكتور تركي الحمد،« الغزو: الأسباب الموضوعية والمبررات الايديولوجية»، عالم المعرفة، العدد195، ص97- عامر التميمي، «الابعاد الاقتصادية للغزو»، عالم المعرفة، العدد195، ص227 وما بعدها)
يخلص مما تقدم:
أولا: ان العراق هو السبب في التوتر في العلاقات العراقية الكويتية. فبالرغم من تحديد الحدود بين البلدين بوضوح كاف بمقتضى اتفاقيات1912م، 1922م، 1932م، 1963م، الا ان العراق كان يرفض دائما اي طلب من جانب الكويت لترسيم الحدود بل تجاوز ذلك الى نقض الاعتراف بالكويت دولة وحدودا، وهو ما حدث في عهد الملك غازي سنة1937م، وعبد الكريم قاسم سنة1961م، وكانت الخاتمة بالزحف على الكويت واحتلالها وضمها في1990/8/2م.
وتخللت هذه التواريخ ادعاءات من المسؤولين العراقيين بأن أجزاء من أرض الكويت (وربة- بوبيان- الساحل الشمالي) تدخل ضمن الحدود العراقية، بالمخالفة للاتفاقيات والمواثيق المتفق عليها بين البلدين، وآخرها اتفاقية1963م. وزاد من عوامل التوتر في العقود الأخيرة، محاولة العراق ابتزاز الكويت عن طريق طلب المساعدات والقروض التي لا ينوي العراق سدادها، ولاتستطيع الكويت عملا اجباره على دفعها. ورغم ان مستحقات الكويت لدى العراق بلغت قبل الغزو13 مليار دولار على الأقل، الا انه عاد وطالب قبل الغزو بمساعدة تبلغ عشرة مليارات دولار، ولعل عدم موافقة الكويت على هذا الطلب، وعدم رضوخها لهذا الابتزاز الذي لا ينتهي هو احد الاسباب المباشرة لعدوان1990/8/2م.
ثانيا: ان جميع الادعاءات التي وردت في مذكرتي العراق الى الأمين العام لجامعة الدول العربية خلال شهر اغسطس1990م، لا أساس لها من الصحة، بل هي مزاعم قدمها الى العالم العربي والأجنبي ليبرر عدوانه الآثم على دولة الكويت. فالكويت لم تتعد حقوقها الدولية في استغلال حقل الرتقة، ولم تتعمد تجاوز حصتها في مؤسسة الأوبك بقصد التأثير في اقتصاديات العراق، ولم تزحف -كما يدعي النظام العراقي- زحفا مبرمجا على اراضيه. بل العكس هو الصحيح. فالعراق هو الذي كان كثير التعدي على الحدود الكويتية، وأبرزها حادثة الصامتة سنة1973م، التي امكن تطويقها بفضل المساعي العربية.
ثالثا: اقر المسؤولون ان غزوا جزئيا كان متوقعا، كاحتلال جزيرتي وربة وبوبيان، وجزء من الساحل الشمالي، وحقل الرتقة الكويتي، وان كانــــــوا لم يتوقعـــــوا الاجتيـــاح الكامــــل الــــذي حـــــدث فـــــــي1990/8/2م. ويجمع المسؤولون الذين استمعت اليهم اللجنة، ان العدوان الجزئي كان متوقعامنذ ان قدم العراق مذكرته الاولى الى الامين العام لجامعة الدول العربية في1990/7/15م.
رابعا: اذا كانت الحكومة قد توقعت فعلا العدوان الجزئي، فقد كان في وسعها ايضا توقع ما هو ابعد من ذلك، وهو الاجتياح الكامل لأرض الكويت، وذلك في ضوء المعطيات التالية:
1- التوتر الكامن في العلاقات بين البلدين بسبب ادعاءات العراق الحدودية، وهو توتر امتد عبر سنوات عديدة.
2- الضغط العراقي للحصول على مساعدات مالية الذي تزايد منذ مؤتمر قمة بغداد1990م.
3- التهديدات العراقية الصريحة منذ1990/7/15م.
4- التقارير الاستخباراتية (يراجع التقرير العسكري) والتحذيرات الكثيرة للحكومة احتمالات الغزو العراقي، والتي وردت من شخصيات رسمية وغير رسمية قبل1990/7/15 وبعده.
5- عدم صدور اي بادرة من النظام العراقي في الفترة من15/7 الى1990/8/1م تدل على الاستجابة الجدية للوساطة العربية، وبصورة خاصة رفضه اقتراح الكويت تشكيل لجنة من اطراف عربية تنظر في اوجه الخلاف بين الدولتين.
6- شخصية صدام حسين التي تؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف.
7- كما انه مما كان يرجح اتجاه العراق نحو العدوان العسكري الظروف الاقتصادية القاسية التي كان يعيشها العراق بسبب حربه مع ايران وزيادة اعباء الديون، بالاضافة الى طبيعة نظام الحكم في بغداد، وعدم قدرته على استيعاب الطاقة البشرية الكبيرة التي تضمها قواته المسلحة في المجال المدني.
خامسا: اطمأنت الحكومة تماما الى الوساطات العربية التي اكدت لها ان النظام العراقي لن يقوم بأي عدوان. وعلى هذا الأساس اختارت البديل السياسي، وسارت فيه الى نهايته، الى ان كان اجتماع جدة في13/7، 1990/8/1م الذي لم يسفر عن شيء. وفيما بين فشل هذا الاجتماع واختراق الحدود، وهي فترة تقاس بالساعات، لم يكن لدى القيادة السياسية الوقت الكافي لاختيار بديل آخر، فكان الاجتياح الكامل وسقوط جميع مؤسسات الدولة في غضون ساعات.
سادسا: يبدو انه حتى بعد فشل اجتماع جدة وعودة الوفد الكويتي الى البلاد في مساء يوم1990/8/1م لم يكن الاجتياح العراقي متوقعا لدى القيادة الكويتية. فلدى عودته الى الكويت، دعا سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الى اجتماع لمجلس الوزراء يعقد في الساعة التاسعة من صباح يوم1990/8/2م. كما طلب النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية من وكيل وزارة الخارجية الالتقاء بالسفير العراقي لدى الكويت في صباح اليوم ذاته للتباحث حول موضوع جانبي وفرعي.
اي ان الحكومة لم تعتبر فشل اجتماع جدة فشلا للعمل الدبلوماسي. ولم يحدث، منذ بداية الأزمة، وحتى ساعة اختراق القوات العراقية الحدود الكويتية، أن طلبت حكومة الكويت عونا عسكرياً خارجياً، خليجيا، أو عربياً، أو أجنبيا، ولم يحدث ان اتخذت اجراء ما، عسكرياً أو مدنياً، لمواجهة عدوان محتمل.
ولم تفق الحكومة إلا بعد أن تم اختراق الحدود فعلا، فكان طبيعيا أن تصاب بالارتباك والهلع. وكان ذلك واضحا في اجتماع مجلس الوزراء ليلة 2/8 في الجيوان، الذي حضره سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء ممن أمكن دعوتهم لحضور هذا الاجتماع، ومن الطريقة التي غادر بها المسؤولون أرض الكويت باتجاه النويصيب ثم الخفجي.
وعلى ذلك لم تضع اي خطة عسكرية تكون جاهزة عند الاقتضاء، أو أي خطة عسكرية بديلة في حالة عدم نجاح الخطة الأصلية يقول سمو ولي العهد أنه في فجر يوم 2/8، بعد أن بلغه نبأ الاجتياح العراقي، وانتقل من الجيوان الى مقر الدفاع الجوي في صبحان: (طلعت قواتنا بالليل وطيارينا صحيناهم من فرشهم).
وإذا كان قرار سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء بالذهاب الى قصر دسمان واصطحاب سمو أمير البلاد الى خارج البلاد هو من افضل واسلم القرارات التي كان ممكن اتخاذها في ذلك اليوم والتي ادت الى انقاذ الشرعية. سابعاً: كان من الممكن ان تلجأ الحكومة الىالخيار العسكري. ولانعني بذلك الاعتماد على القوة العسكرية الذاتية للكويت فقط، فهي لم تكن تتناسب البته مع الحشود العسكرية العراقية، لا من حيث العدد ولا من حيث العتاد ولا من حيث الخبرة، ولكنها كانت تكفي لو تم إدارة الأزمة بالاسلوب السليم لتأخير الاجتياح العراقي ولو إلى حين.
وفي تقييم الأجهزة الغربية والمحلية أنه لو كانت هناك استعدادية قتالية لدى القوات المسحلة الكويتية لكان باستطاعتها تأخير تقدم القوات العراقية لمدة يومين والعمل كأسلاك شائكة، مما يعطي الكويت الوقت الكافي لأن تستدعي قوات شقيقة وصديقة تصل لمساعدة الكويت. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، وصدرت الأوامر للقوات المسلحة بالتصدي للغزو العراقي، بعد عدة ساعات من اختراق الحدود، وفي وقت لم تكن فيه جاهزية القوات المسلحة كاملة للقيام بمهامها القتالية وهو ما أدى إلى سقوط الدولة بالكامل بجميع مؤسساتها.
وصحيح أيضا ان الاستعانة بالعون العسكري العربي لم يكن ليسعف. فالعلاقات العربية- العربية في 1990م لم تكن كما كانت عليه في سنة 1961م والوساطات العربية التي كانت تدعو الى التهدئة، تنبئ بذاتها بأن الدول العربية لم تكن ترغب في ان تخوض وحدها غمار حرب ضد العراق لاتعرف عواقبها.
ومعاهده الدفاع العربي المشترك تكاد لم تر منذ أن تم التوقيع عليها طريقها الى التطبيق، وكانت أجهزة الإعلام العراقي ترسخ في الأذهان ان العراق قوة عسكرية لاتهزم، وقادرة على حرق «نصف اسرائيل» بما تملكه من الاسحلة التقليدية والأسلحة المحرمة دوليا والكيماوي المزدوج.
ومع ذلك فإن دعوة الدول العربية الى تحمل مسؤولياتها تجاه الأزمة، كان من الممكن ان تكون لها جوانبها الإيجابية، السياسية والعسكرية ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، واقتصر تحرك الحكومة في إطار جامعة الدول العربية- على العمل السياسي. كما أنه كان من الممكن، فور التهديدات العراقية بدءا من 15/7/1990م،
الطلب من الولايات المتحدة المشاركة في رد العدوان وتطمئن اللجنة في ذلك إلى ما أفاد به الشيخ سعود الصباح سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الاميركية من أنها كانت على استعدادا لهذه المشاركة إذا طلبت منها الكويت ذلك، وهو ما لم يحدث. خاصة وأن الكويت قد نجحت اثناء الحرب العراقية الإيرانية في حماية ناقلات النفط الكويتية التي كانت تتعرض لإعتداءات مستمرة في الخليج برفع العلم الاميركي عليها وذلك بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية.
ثامناً: ولاتقتنع اللجنة بما ردده المسؤولون أمامها من أن تقييم الخيار السياسي، واستبعاد الخيار العسكري، لم يكن فقط بسبب التطمينات العربية، بل كان ايضا بسبب المواقف المبدئية للكويت منذ استقلالها، من حيث ايمانها بالقومية العربية، ومبادئ عدم الإنحياز، وإن الرأي العام الداخلي ما كان ليقبل الإستعانة بقوات أجنبية، وأن ذلك كان من شأنه ان يحدث انشقاقا داخليا وخليجيا لاتقتنع اللجنة بشيء من ذلك، فالمفروض أنه عندما يكون الوطن في خطر،
أن تتوارى الشعارات لتحل محلها الوسائل الكفيلة بدرء الخطر فلحماية التراث الوطني تباح كل الوسائل التي يقرها القانون الدولي للدفاع عن النفس، أما الرأي العام الداخلي فقد كان مغيبا بسبب حل المجلس النيابي وفرض الرقابة على الوسائل الأهلية للإعلام منذ سنة 1986 ولم تكن تتوافر للرأي العام، كما توافرت للسلطة التنفيذية، المعلومات عن حجم الحشود الرابطة على حدوده، ومدى المخاطر أنها التي توشك ان تتعرض لها البلاد وهذا الرأي العام الذي تقول الحكومة أنها أدخلته في الاعتبار وانه كان من اسباب تفضيلها للبديل السياسي، هو ذاته الذي لم تعتد به الحكومة ولم تضعه في اعتبارها عندما أقدمت على حل مجلس الأمة حلا غير دستوري في سنة 1976م، وسنة 1986م.
تاسعاً: ان علاقة الكويت بالعراق قبل وبعد 15/7/1990 لم تبن على أسس علمية، ولم تضع الحكومة في الاعتبار ان العلاقات الدولية انما تستهدف اولاً تحقيق المصالح الوطنية السياسية والاقتصادية، كما تراها الدولة صاحبة الشأن وليس كما يراها الآخرون. وحتى الاعمال الانسانية التي تقوم بها الدولة، كتقديم المساعدات العينية والمنح النقدية والقروض الميسرة، لا تستهدف فعل الخير في ذاته، ولاتنتظر الدولة المانحة عنها ثوابا أخرويا،
بل هي وسائل لغايات أبعد، تصب كلها في مجرى المصالح الوطنية وكان على الحكومة في الكويت أن تدرك ان ما قدمته للنظام العراقي من مساعدات مختلفة الأنواع اثناء حربه مع إيران، وقبل هذه الحرب وبعدها، لم يكن من المؤكد ان يؤثر في العراق ايجابا بحيث يغير من سياسته تجاه الكويت، تلك السياسة التي يعود تاريخها الى عدة عقود مضت، والتي اصطبغ بها تفكير قادته سواء في ظل النظام الملكي، أو في ظل أنظمته المتتابعة منذ سنة 1958م، على اختلاف مبادئها وبرامجها.
عاشراً: إن سياسة الكويت في علاقتها بالعراق، بل وبالدول الأخرى بصورة عامة، يجب أن تقوم على استشراف المستقبل في ضوء الحاضر المعاش، وفي ضوء معطيات الماضي، مع دراسة جميع الاحتمالات المستقبلية دراسة علمية كافية، ووضع البدائل المختلفة لمواجهة جميع الاحتمالات بما يحقق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها الدفاع عن الوطن وسلامة أراضية ويدخل في ذلك دراسة طبيعة النظام العراقي ومبادئه وأهدافه ووسائله لتحقيق هذه الأهداف، وكذلك دراسة شخصية قادته السياسيين وعاداتهم وطبائعهم وطموحاتهم، والمفروض ان تستعين الحكومة في ذلك بمؤسسات تضم خيرة الخبراء في مجال العلوم السياسة والعلاقات الدولية وعلم النفس، وهم متوافرون في الكويت بفضل الله.
احدى عشر: تستفاد من أقوال سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ان اجهزة نقل المعلومات، لم تنل عناية الحكومة إلا بعد التحرير، فقذ ذكر سموه أنه (فيما يتعلق باجهزة نقل المعلومات للسلطات المختصة بالكويت وبناء هذه الإدارة على اسس علمية يعني هذه واردة عندنا وبدئ باتخاذ الخطوات الخاصة بإعادة تدريب وتوظيف العناصر والكودار التي تتواجد فيها المواصفات الخاصة للعمل في هذه الإدارة) وعندما سئل لماذا لم تترك قبل مغادرة الكويت قيادة بديلة كان جوابه (أي قيادة تترك هي طامة)، وأنه تحمل مسؤولية تعريض الكويت للغزو العراقي ونتائجه،
وعندما سئل عما إذا كانت قد وصلت معلومات استخبارية عن احتمالات الغزو كان جوابه (أنا قلت اني انا اتحمل المسؤولية اكثرا من هذا تبوني أقولكم؟) وواضح من اقواله ان الحكومة كانت ليلة الغزو في اضطراب كامل، وأنها فقدت القدرة على التصرف..
وترى اللجنة:
1- ان السلطة التنفيذية لم تقرأ بصورة صحيحة موقف العراق تجاه الكويت اثناء الحرب العراقية الإيرانية وبعدها.
2- ولم تتوقع الاجتياح الكامل برغم امكانية هذا التوقع.
3- وإختارت الحل السياسي واستبعدت تماما الخيار العسكري الى أن وقع الغزو.
4- ولم تطلب في الوقت المناسب العون العسكري من أي دولة خليجية أو عربية أو أجنبية، برغم العرض الاميركي بتقديم المساعدة، وهو ما فعله المغفور له الشيخ عبدالله السالم سنة 1961م
5- وحل مجلس الأمة في سنة 1986م وفرض الرقابة على الصحف، أدى الى تنامي المطالبة بالعودة إلى العمل بدستور سنة 1962م مما أوحى الى النظام العراقي بوجود انشقاق في الجبهة الداخلية يسهل له عملية الغزو.
6- والدولة كانت مخترقة – من قبل الجانب العراقي- أمنيا وإعلاميا مما سهل عملية الغزو.
7- التغييب التام للرأي الشعبي، حيث كان هناك تعمد لتغييب الخطر والمعلومات والتحركات والحشود العراقية عن الشعب الكويتي..
8- ان الحكومة لم تضع خططا بديلة وفي الدراسات المقارنة ما يعرف في مجال العلوم السياسية بـ«إدارة الأزمات» يحث يضع المسؤولون السياسيون دراسات وخطط لتقليل الخطر عن الكيان السياسي، وهذا عكس مافعلته الحكومة في مجال التهديدات العراقية.
9- لايبدو منطقيا او مقنعا التوجه الذي قامت به الحكومة بالاعتماد الكلي والوثوق الأعمى بالتطمينات الرسمية من قادة الدول الشقيقة خاصة في ضوء استمرار الحشود العراقية- وتناقض التطمينات من الدول الشقية مع التقارير السرية التي نقلت للحكومة من عدة جهات غير عربية تؤكد عزم العراق على شن عدوان على الأراضي الكويتية.
10- لم تقم الحكومة حتى باتخاذ أبسط الاحترازات الأمنية للتوقع الأسوأ، وهو أبسط ما كان يجب أن يقوم به صناع القرار وهم يواجهون خطرا حقيقيا من طرف عرف بعدوانه وطباعه العدوانية. ليس هذا فحسب، بل لقد قامت القيادة السياسية بخفض الجاهزية والاستنفار العسكري، فأصدرت تعليماتها للقيادة العسكرية بخفض حالة الاستنفار العام، كما أعطيت تعليمات لاعطاء اجازات الضباط، وذلك لعدم «إستفزاز العراق».
11- تتحمل الحكومة ككل وخاصة رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الاعلام ووزير الدفاع ووزير الداخلية يتحملون مسؤولية التقصير وقصور الجاهزية، وعدم اتخاذ ابسط التجهيزات والاستعدادات الامنية المدنية والعسكرية للتعامل مع التهديدات العراقية التي استمرت طوال اسبوعين كاملين من 15/7/1990م الى 1/8/1990م.
لقد كان الاعتداء العراقي مبيتا ومخططا، وتم الاعداد له منذ انتهاء الحرب العراقية الايرانية، وكان عدوانا محضا لم تقم دولة الكويت بأي عمل يبرره من قريب او من بعيد، بشكل مباشر او غير مباشر. وعلى ضوء ما تقدم فإن التقصير في مواجهة العدوان العراقي يقع بالدرجة الاولى على عاتق السلطة التنفيذية وبالتالي فهي تتحمل المسؤولية للاسباب التالية:
اولا: لم تقرأ الخطر والتهديدات العراقية الموجهة ضد الكويت قراءة صحيحة.
ثانيا: لم تتعامل مع الخطر تعاملا صحيحا.
ثالثا: لم تتخذ ابسط الاجراءات المطلوبة- كالدعوة لاجراء مناورات كما فعلت دولة الامارات العربية المتحدة- والاستفادة من العرض الاميركي.
رابعا: قللت من الخطر الماثل امام الكويت واستبعدت حتى التجهيز والاعداد الدفاعي والعسكري، وذكرت تقليلا للخطر بأنه «سحابة صيف».
خامسا: غيبت المشاركة الشعبية والرأي العام وتعمدت اخفاء اخبار الاخطار العراقية في اجهزة الاعلام الرسمية.
سادسا: فشلت في مساعيها السياسية التي كانت المحور والمسار الوحيد الذي اتخذته دون غيره من المسارات ولو من باب الاحتياط.
وتقع المسؤولية كاملة على الحكومة. وبسبب تغييب وجود مجلس امة وسلطة تشريعية لتتحمل المسؤولية مع السلطة التنفيذية- القائمة والمسؤولة عن ادارة دفة الازمة- فإن القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء فقط دون غيره تتحمل كل التبعات التي ترتبت على الغزو العراقي لدولة الكويت وذلك لعدم قدرته على قراءة الازمة، والتعامل معها والتصدي ولو بالطرق البسيطة والمتواضعة لدرء او حتى لتأخير تقدم القوات العراقية بما يكفي من وقت.
انتهى
..
تم نشره في عدة صحف كويتية منها جريدة عالم اليوم
ما هي أسباب غزو العراق للكويت
نور الخال دي
حسبي الله ونعم الوكيل على كل خاين للوطن
حسبي الله ونعم الوكيل على كل خاين للوطن
الاه يحفظ الديره وينظفها من السوس اللي فيها ويدقهم دق