جاسم السعدون | المقاطعة للإنتخابات القادمة .. ضرورة
عندما زوّرت الحكومة انتخابات عام 1967، ضاعت 4 سنوات، ثم تداعى معظم الناس لطي صفحة الماضي والمشاركة في انتخابات عام 1971، حدث الشيء نفسه بعد الحل غير الدستوري في عام 1976، فبعد ضياع 5 سنوات أخرى وتفتيت الدوائر إلى 25 دائرة وهو ما أصاب مشروع الدولة في مقتل، تداعى معظم الناس إلى طي صفحة الماضي والمشاركة في انتخابات عام 1981.
بعد الحل غير الدستوري لعام 1986، احتاج الأمر إلى ضياع البلد حتى الحصول على وعد بالعودة للعمل بدستور عام 1962، وبعد الوعد، تمت دعوة المجلس الوطني للانعقاد، وبعدها ثم تقليص المشاركة الشعبية في الحكومة من نائب واحد لرئيس الوزراء من الأسرة وآخر شعبي، إلى ما وصل إليه الأمر الآن، وفي عام 2009 بدأ مسلسل العودة إلى الحل غير الدستوري باجتماع الأسرة في شهر مارس من ذلك العام، الذي أفشله المرحوم سعود الناصر بإعلانه عن نواياه، وانتهى مجل عام 2009 بتهمة بائنة برشوة 26% من أعضائه، والخافي أعظم، ثم أحداث ديوان الحربش الذي أفشلت القوة المفرطة وأحدات الربيع العربي نواياه.
وأخيرًا ورغم نأي المحكمة الدستورية بنفسها عن الحكم في دستورية قانون الانتخابات السابق 5 دوائر 4 أصوات، بما على تحصينه، أصدرت الحكومة مرسوم ضرورة منفرد بتغيير نظام الانتخاب إلى الصوت الواحد.
السؤال الذي يطرح نفسه هو.. لماذا حدث ويحدث كل ما تقدّم رغم أن هناك إجماع يشمل الكل وكامل السلطة التنفيذية دون استثناء، بأن الكويت تتخلّف عن كافة المستويات وبشكل متسارع؟
الإجابة بكل بساطة، هي صراع سلطة هدفها اختزال الدولة في الحكومة، واختزال الحكومة في بضعة أشخاص غير مؤهلين للإدارة ولكنهم لم يوفروا الدولة من الحفاظ على مناصب غير مستحقة إلى أطول فترة ممكنة، حتى لو ضاعت الدولة، والسؤال المستحق الآخر هو.. هل ما عجزت عن تغييره كل تنازلات الناس وعودتهم إلى المشاركة بالانتخابات على مر التاريخ الموثّق، ولم تغيّر منه تجربة كارثة غزو وضياع بلد وثورات ربيع عربي على مشروع الحكم، سوف تغيّره مشاركة إضافية في انتخابات أغسطس عام 2013 نتيجتها تكرار خطأ محتوم؟ والإجابة قطعًا هي النفي.
وفي تقديري لابد وأن يبدأ التغيير هذه المرة بشعور كل واحد فينا بمسئوليته في تغييره، ولأننا لا نملك إلا الوسيلة السلمية، ونصر عليها، فلا بأس من المواجهة السلبية، وبدايتها هي مقاطعة الانتخابات القادمة، من ناحيتي، لن أهتم في كيف يمكن أن توظف المقاطعة من بعدها السياسي، فهي في تقديري، لم تعد مشكلة نماء، وإنما أزمة بقاء، إن استمرت الإدارة الفاشلة للبلد.
هل المقاطعة تعني طعنًا أو انتقاصًا من السلطة القضائية؟ هي قطعًا لا تعني ذلك، ولكنه عمل سياسي مشروع من ناحيتي وغير مشروع من ناحية السلطة التنفيذية التي بدأت في صيف عام 2012 تمردًا على حكم المحكمة الدستورية ولعبتها سياسة، والبادئ منذ شرعة ” حمورابي ” أظلم ليس هذا فقط ولانها حكومة مقدسة، حتى لو تغير الشخوص لن يتغير النهج، فقد ابطل بسبب خطأ.
إجراءاتها مجلسيّن وعوقب معهما ناخبوهما وضاعت على البلد نحو سنتيّن دون مجلس دستوري، ولم يعاقب أحد، حتى “فرّاش البلدية” في الحكومة.. وهنا مكمن الخطأ في حكم الدستورية، فعندما ظهرت الحاجة إلى الدساتير التي تدعو إلى فصل السلطات وتوازنها مع حرب بريطانيا الأهلية في أربعينيات لاقرن السابع عشر، واستعارتها حرب الاستقلال الأمريكية -1776- ثم الثورة الفرنسية لتحقق ركن أساس واحد، وهو سلمية تداول السلطة، بمعنى آخر، الديمقراطيات هي آلية تضمن أن السلطة مؤقتة من أجل ديمومة الدولة، بينما كل المحاولات في تاريخ الديمقراطية الكويتية شاملة مرسوم الصوت الواحد، هي لضمان ثبات الحكومة أي ديمومتها حتى لو تسببت في ضياع الدولة.
لذلك، فقد جاء حكم المحكمة الدستورية سياسيًا صرفًا بتثبيت مرسوم الصوت الواحد لانطباق حالة الضرورة عليه وإبطال مجلس الأمة لعدم انطباق حالة الضرورة على لجنة الانتخابات التي نظمّت عملية الانتخاب، ويظل ذلك في حدود اختصاصها، ولكنه أجرًا واحدًا في تقديري، فلا المبررات من الناحية السياسية صحيحة، ولا المستقبل يبشّر بوضع سياسي أفضل وأكثر استقرارًا.
وأول المآخذ السياسية على الحكم، أنه أجاز الأصل وهو انطباق حالة الضرورة على تغيير الضرورة تغيير آلية التصويت وهي الخطأ، وألغى الجزئية الصحيحة وهي إدارة عملية الانتخاب من قبل هيئة مستقلة وقضائية كما هو معمول به في كل أنحاء العالم.. وثاني المآخذ، هو اعتداد الحكم بأن المتّبع في معظم العالم هو صوت واحد لمرشّح واحد، وهو غير صحيح، لأنه نظام متبّع فقط عندما يكون للدائرة الواحدة مرشّح واحد، وهو في الغالب الأعم يمثّل حزب سياسي ينشد الحصول على نسبة تمثيل في البرلمان تؤهله لتشكيل الحكومة أو المشاركة في تشكيلها وهذا ليس حال الكويت.
والواقع أن الصوت الواحد لمرشّح واحد في الدوائر الخمس يخالف مبدأ ديمقراطي أساسي، وهو أن النائب لا الناخبين يمثّل الأمة، بدليل فوز 5 مرشحين في إحدى الدوائر لم يحصلوا مجتمعين على 5% من أصوات الناخبين.
وثالث المآخذ هو في النتائج الوخيمة التي أفرزها المضي بالانتخابات بمرسوم الواحد، فالمرسوم تم تسويقه لتحقيق ثلاث أهداف رئيسة، الأول اللحمة الوطنية، والثاني وقف هدر موارد الدولة، والثالث التفرّغ للبناء والتنمية.
في تحقيق الهدف الأول، وباعتراف رسمي من أعلى المستويات، لم يمر على الكويت حالة من الفرقة والتناحر طالت العائلة الواحدة، كالتي أفرزها الانفراد في إقرار مرسوم الصوت الواحد.. وفي هدر الثورة، لم تمر على الكويت حكومة أو مجلس امة أكثر هدرًا للموارد وشراء الذمم حتى طالت مقترحات التوزيع أراضي تشمل ما بين حدود قطر والعمارة في العراق مثل المجلس المبطل (2) والحكومة الحالية.
وثالثها.. هو ان مشروعات التنمية لم تتحرك، فمازال العمل قائم على إنجاز الدائري الأول، ولا زلنا نسمع عن حرائق الجامعة اليتيمة، والخدمات العامة – تعليم وصحة وتوظيف – في ترد مستمر، والمأخذ الرابع والأخير حول ما ذكرته حيثيات الحكم من تمكين المرسوم للأقليات من الحصول على تمثيل نيابي، وهو مفهوم المواطنة الدستورية الشاملة، وليست انتماءات اجتماعية بما يعنيه ذلك من تمزيق لمفهوم الدولة.
عودة إلى البداية.. وهو سؤال خلاصته، هل التسامح مع العودة إلى نهج الحكومة المقدسة والثابتة سوف يؤدي إلى إصلاح حقيقي؟…. والسؤال الذي يحق من يخالفني الرأي طرحه أيضًا هو.. وهل المقاطعة سوف تحقق ما نعجز عن تحقيقه المشاركة؟
والرد هو أن لا ضمانة في أن تحقق المقاطعة أهدافها، ولكنها تتفوق المقاطعة في احتمالات تحقيقها للهدف على تلك المتاحة للمشاركة، ويدعم هذا الاعتقاد – في تقديري – ثلاث مبررات.
المبرر الأول، هو أننا اخترنا طريق عفا الله عما سلف، والمشاركة منذ القرن الفائت، ورغم اقتران المشاركة بأحداث جسام، ثبت في كل الأحوال فشلها، لذلك أن الآوان للتغيير.
المبرر الثاني، هو أن الظروف في القديم كانت تسمح بالتجربة والخطأ، بينما مع مستوى النفقات العامة الحالي وأوضاع سوق النفط والامانة التي أصبحت في رقبتنا من تفشي بطالة الشباب السافرة والمقنّعة مع احتمالات ضعف سوق النفط في المستقبل، أصبحت تهدد البقاء، الذي سيدفع ثمنه صغارنا، وواجبنا حمايتهم.. وذلك لن يتحقق دون تغيير جوهري في نهج الإدارة، والمشاركة في الانتخابات القادمة تعني دعم بقاء النهج وإن تغيّرت الشخوص، أي ضياع بضع سنوات لا يمكن تعويضها لنكتشف بأننا أصبحنا أسوأ مما كنّا.
والمبرر الثالث والأخير، هو أننا ما لم نتغيّر طوعًا وطيبًا، فإن ظروف العالم والإقليم سوف تدفعنا إلى ما لا نرغب ولا نحب، وهو التغيير القسري والمكلّف، والحصيف لابد وأن يقرأ بعمق في نزعات الشباب اليوم وهو نحو ثلثي المواطنين.
في الختام أقول، لأننا حرمنا على التاريخ من آلية التغيير السلمي للإدارة، ولأننا لا نحب ونعارض الدعوة إلى العنف من أجل التغيير، لم يتبقى لنا سوى اللسان والقلب طريق للعمل من أجل التغيير.. وبينما اللسان يملك الدعوة إلى المقاطعة، يبقى القلب لا يملك سوى الأمل في أن تصل الرسالة إلى كل من يمكن أن يصنع بعض الفرق من أجل التغيير المنشود.
….
بقلم: جاسم خالد السعدون
كفيت ووفيت استاذ جاسم، سنصنع الفارق بإذن الله