صحيفة نيويورك تايمز تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل سقوط الطائرة المصرية في البحر الأبيض المتوسط
وسط البحر المتوسط، ظهر جزء من الأمتعة يطفو على السطح، في حين يبدو بالقرب منها مقعد ركاب خاص بطائرة، أجزاء معدنية، بالإضافة إلى متعلقات شخصية متناثرة.
مع تواصل التحقيقات الجمعة 20 مايو/أيار 2016 في أسباب سقوط طائرة مصر للطيران المتجهة من باريس للقاهرة، والتي سقطت بشكل مفاجئ، تم اكتشاف حطام الطائرة، والذي مكّن فرق البحث من التركيز مباشرة على موقع الحطام، والذي يبعد مسافة 180 ميلاً شمال مدينة الإسكندرية، على الرغم من أن سبب سقوط الطائرة يظل لغزاً وموضعاً للكثير من التكهنات.
البيانات التي أرسلتها الطائرة إلى محطات المراقبة على الأرض، والتي نُشِرت أمس، كشفت عن فقدان سريع في السيطرة على الطائرة، بالإضافة إلى فشل أجهزة الإنذار ونظام الكمبيوتر في الثواني التي سبقت اختفاء الطائرة من أجهزة الرادار بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
عطل كارثي
وتعتبر تلك البيانات دليلاً على حدوث عطل كارثي، إلا أن ذلك لا يعطينا إجابة على السؤال الملح: ما الذي تسبب في ذلك؟ كيف يمكن لطائرة ذات سجلات أمان جيدة وطيارين ذوي خبرة أن تسقط من السماء في يوم ربيعي ذي أجواء صافية.
لم يتم العثور حتى الآن على أجزاء كبرى من الحطام، كما أن الأجزاء التي يمكنها أن تمنح المحققين مفاتيح لحل اللغز -بما فيها سجلات الصوت والبيانات داخل الطائرة- هي الأكثر عرضة للغرق في قاع البحر.
وكان مسؤول رسمي مصري، قد صرح أن المحققين يعتبرون أن وجود عمل إرهابي وراء الكارثة هو أحد الاحتمالات، في الوقت الذي لم تعلن فيه أية جماعة إرهابية مسؤوليتها عن الحادث.
أضاف المسؤولون أيضاً أنه لا يوجد دليل مباشر على وجود قنبلة على متن الطائرة، أو أي فعل تخريبي متعمد آخر حتى الآن.
يُذكر أن طائرة إيرباص A320 كانت قد سقطت الخميس، أثناء تحليقها من باريس إلى القاهرة، في ليلة لم تتسم بوجود غيوم.
الخط الزمني للكارثة
وكانت سلطات الطيران المدني اليونانية، قد قدمت ما وصفه المتحدث الرسمي باسمها بـ”الخط الزمني المؤكد للكارثة”، حيث نشرت تقريراً يشير إلى أن الرحلة كانت تسير بشكل طبيعي عند 1:48 صباح الخميس (بتوقيت القاهرة)، وكانت هي المرة الأخيرة التي تمكن فيها مراقبو الحركة اليونانيون من التواصل مع قائد الطائرة والذي بدا في مزاج جيد.
وعند الساعة 2:27 عندما كانت الطائرة تمر من المجال الجوي اليوناني إلى المجال الجوي المصري، حاول المراقبون في أثينا التواصل مع الطيار عن طريق الأجهزة اللاسلكية مراراً، إلا أنهم فشلوا في ذلك، وحتى المحاولات للتواصل من خلال ترددات الطوارئ باءت بالفشل أيضاً.
في الوقت نفسه، كانت البيانات الفنية تُرسل من الطائرة بشكل أوتوماتيكي، من خلال نظام خاص بداخلها والمسمى Acars، وهو نظام حديث في الطائرات يعطي تحديثات حول الحالة الفنية للطائرة لحظياً ويرسلها إلى المراكز التشغيلية على الأرض.
وقال ممثلون عن شركة إيرباص وهيئة الطيران الفيدرالية، إنه ليس بإمكانهم تأكيد صحة الإشارات الفنية، في الوقت الذي رفضت فيه دينا الفولي، المتحدثة باسم شركة مصر للطيران، التعليق على البيانات المسربة، حيث قالت “لا يمكننا أن نتحدث في الوقت الحالي؛ لأننا قمنا بالفعل بتشكيل لجنة للتحقيق في تحطم الطائرة، ولم تخبرنا اللجنة بشيء حتى الآن”.
بيانات لأول مرة
وتبدو البيانات التي نشرت لأول مرة عبر موقع AVHerald.com وقد كتبت بشكل مختصر يتضمن الكثير من الاختصارات والرموز. وقال روبرت مان، المسؤول التنفيذي السابق والمحلل بمجال الطيران، إن المحتوى الذي تحمله تلك الرسائل يبدو مقنعاً، على الرغم من أنه غير كامل.
عند الساعة 2:26، أوضحت إحدى الرسائل، أن النافذة اليمنى لقمرة القيادة قد فُتحت.. يقول مان إنه ربما يكون ذلك قد تم لإخراج الدخان، أو ربما يكون هناك شيء آخر قد تسبب في الخرق.
خلال الدقيقتين التاليتين، كان هناك مؤشر على وجود دخان في مكانين مختلفين، الأول في حمام الطائرة، والآخر في حجرة تضم أغلب المعدات والأجزاء الإلكترونية للطائرة.
يقول مان، إن هذه الرسائل لا تعني بالضرورة وجود حريق، وإنه ربما تكون قد نتجت عن انخفاض سريع في الضغط داخل الطائرة، وهي حالة يمكن أن تفسرها أجهزة الطائرة بشكل خاطئ على كونها دخاناً داخل الطائرة.
نهايةً وعند الساعة 2:29، كان هناك تنبيهان آخران من أجهزة الكمبيوتر المسؤولة عن التحكم في الطائرة. يقول مان “التحذيران الأخيران كانا مقلقين، يمكنك أن تبدأ في ملاحظة تدهور الأمور بسرعة”.
أولاً، كانت هناك مشكلة مع كمبيوتر التحكم في الطيار الآلي. بينما كانت الطائرة تُحلق بالسرعة والارتفاع الأقصى تقريباً في ذلك الوقت.. قال مان إن هذه هي الطريقة الأكثر فعالية لطيران الطائرات، وهي طريقة آمنة، ولكن يفضل الطيارون دوماً الاعتماد على أنظمة الطيار الآلي في هذه الظروف، لأنهم إذا فقدوا السيطرة على الطائرة تحت أي ظرف فمن الصعب استعادتها مرة أخرى. وهذا هو السبب في أن الطيارين -في بعض الأحيان- يُطلقون على هذه الظروف اسم “نعش الزاوية”.
كانت الرسالة الأخيرة متعلقة بوحدة التحكم بالدفة، والتي تسيطر أساساً على “الرفرف” المسؤول عن ميل ودوران الطائرة. وفشل الكمبيوتر المُتحكم في هذا الأمر هو الآخر.
أضاف مان: “يبدو لي أن لديك فشلاً تدريجياً في نظام التحكم في الطيران”. وتم ذلك على مدار دقيقتين -واللتان بالتأكيد مرتا كأنهما دهر على متن الطائرة- ولكن ما حدث كان سريعاً نسبياً.
دخول المجال المصري
وهذه هي اللحظة التي غادرت فيها الطائرة المجال الجوي اليوناني، وفي الساعة 2:29:40، فقدت السلطات اليونانية أي أثر للطائرة، وهذا بمجرد دخولها للمجال الجوي المصري، أي في منتصف المسافة تقريباً بين كريت ومصر.
في هذا الوقت، قامت الطائرة بالانعطاف بمقدار 90 درجة إلى اليسار، ثم دائرة كاملة إلى اليمين، وسقطت باندفاع إلى ارتفاع 15,000 قدم، بعدما كانت على ارتفاع 37,000، ثم هوت مرة أخرى إلى ارتفاع 9,000 قدم، قبل اختفائها من على شاشة الرادار.
لم يُبلغ طاقم الطائرة عن أي مؤشر على وجود مشكلة فنية أو صعوبات أخرى على متن الطائرة، حتى خلال الدقائق النهائية والقاتلة عندما كانت الطائرة نفسها تنقل بيانات تُشير إلى فشل ذريع.
وقال أحد المحققين السابقين في تحطم الطائرات، إن أدلة الرادار تُشير إلى حدوث سلسلة من المناورات الحادة في اللحظات التي سبقت فقدان الاتصال بالرادار، ما يُشير إلى أن الطائرة كانت قد خرجت من تحت سيطرة الطيارين على الأرجح.
ما حدث لطائرة الإيرباص كان مفاجئاً وعنيفاً جداً، لدرجة أن أنظمة السلامة بالطائرة لم تستطع أن تتلافاه.
وأضاف الخبير آلان بويلارد -وهو رئيس فريق التحقيق السابق في المكتب الفرنسي للتحقيقات والتحليلات- “في رأيي، يضع ما حدث احتمالين أمامنا: إما وجود مشكلة فنية مفاجئة، أو وقوع عمل إرهابي غير مشروع”.
وقال الخبراء بأنه نظراً للكمية المحدودة من الأدلة المتوفرة لدينا حتى الآن، فمن الصعب الجزم بنوع العطل فني الذي حدث للطائرة.
وأضاف بويلارد احتمال وجود أمر آخر، وهو حدوث خلل في أنظمة الضغط بداخل الطائرة، والذي من الممكن أن يؤدي لتمزق جزء من جسم الطائرة. وعلى هذا الارتفاع العالي، يُمكن لهذا الخلل أن يؤدي لنتائج كارثية إذا لم يكن طاقم الطائرة قادراً على بدء النزول بالطائرة لارتفاع منخفض ومحاولة الهبوط اضطرارياً.
الاحتمال الإرهابي قائم
قال الخبراء إنه إذا فشل التحقيق في الكشف عن أدلة قوية تثبت وجود مشكلة فنية، فإن احتمال وجود فعل إرهابي سيصعد للصدارة. ولكن نظراً لظروف هذا الحادث، لا سيما في ظل عدم وجود ادعاء بالمسؤولية من جانب أي جماعة إرهابية أو إشارة الاستخبارات لمرتكب للجريمة، فإثبات أن ما حدث كان عملاً إرهابياً قد يستغرق شهوراً.
وأوضح آدم شيف، كبير الديمقراطيين في اللجنة الدائمة المختارة للمخابرات، أن العرض المبدئي لأسماء الركاب الذين كانوا على متن الطائرة، لم يطابق أياً من الأسماء الموجودة بقائمة الإرهاب الأميركية، حيث تلقّى شيف بعض المقتطفات المتعلقة بالتحقيقات.
تنظيم الدولة الإسلامية لم يعلن مسؤوليته عن الهجوم، ومن المعتاد أن التنظيم يعلن سريعاً عن دوره، كما فعل بعد حادث تحطم الطائرة الروسية الأخير، والتي تحطمت فوق صحراء سيناء.
وقال مايكل سميث الثاني، الشريك الإداري بشركة “كرونوس للاستشارات” المتخصصة في أبحاث الإرهاب “من المهم ملاحظة أن نَسْب العمليات في مسرح الإرهاب يعد عاملاً حاسماً”.
وفي الحقيقة، تعد أكثر الأشياء قيمة بالنسبة للمحققين -والتي قد يصعب للغاية استردادها مرة أخرى- هي مادة من المؤكد أنها قد غرقت سريعاً إلى قاع البحر.
تحطمت في الهواء
إذا تناثر حطام الطائرة فوق منطقة كبيرة وكانت القطع المحطمة صغيرة نسبياً، فهذا يعني أن الطائرة تحطمت في الهواء، مما يخدم النظرية القائلة إن ثمة انفجاراً حدث على متن الطائرة. ولكن إن كان حطام الطائرة متناثراً فوق منطقة صغيرة نسبياً، فإن ذلك يشير إلى أن الطائرة اصطدمت بسطح المياه وهي سليمة.
وسيتمكن جهازا تسجيل البيانات بالطائرة، أو ما يسمى بـ”الصناديق السوداء”، في توفير أدلة هامة حال استردادهما.
يقول الخبراء، إن الميكروفونات التي تسجل الأصوات الصادرة من قمرة القيادة ستلتقط صوت الارتطام إن حصل، أما إذا حدث انفجار، فسوف يوقف تسجيل هذه البيانات فوراً.
وفي المقابل، يقول بويارد إنه في حال وجود عطل فني سيتمكن مسجل البيانات -الذي يوفر المعلومات المتعلقة بالطيارة مثل موقعها وسرعتها واتجاهها وسلوكها أثناء الطيران- من استكمال وظيفته حتى لحظة حدوث الارتطام.
وربما لن يستبعد المسؤولون احتمال أن يكون أحد الطيارين قد أسقط الطائرة عمداً.
في منتصف الطريق
وأشار مسار رحلة الطائرة يوم الخميس، إلى أنها تحطمت في منتصف الطريق بين جزيرة كريت ومصر، مما يعني أنها قد تكون هبطت على ما يسميه العلماء “سلسلة تلال البحر المتوسط”.
وقد ارتفعت تلك السلسلة لأعلى بواسطة الصفيحة الأفريقية بعد انزلاق قشرة الأرض تحت بحر إيجه، مما تسبب في تشويه وانهيار قشرة الأرض، وذلك حسب ما قال ويليام ريان، أحد العلماء بمركز لامونت دوهيرتي لمراقبة الأرض بجامعة كولومبيا، حيث درس ريان قاع البحر الأبيض المتوسط.
ويبلغ عمق المياه في تلك المنطقة حوالي 1.5 ميل، حيث قال إن جمع أجزاء حطام الطائرة من قاع تلك المنطقة الممتلئة بالتعرجات، والتي قد يبلغ حجمها من 50-100 قدم، قد يكون أمراً معقداً.
بحسب رايان، إذا كانت الطائرة قد تحطمت في نقطة أبعد جنوباً، لكان الحطام استقر على أرضية مستوية يتراوح عمقها بين 1.7 إلى 2 ميل، وفي هذه الحالة، كانت عمليات البحث ستتم بشكل أسرع، والإجابات التي ينتظرها الجميع حول أسباب تحطم الطائرة كانت ستظهر سريعاً